حسين عبدالحسين
في إطلالة وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، ورئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي، أمام "لجنة الشؤون المسلحة في مجلس الشيوخ"، الأسبوع الماضي، تأكد فشل برنامج واشنطن "لتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة"، الذي بدلاً من أن يخرّج خمسة آلاف مقاتل سوري معارض سنوياً، جمع حتى الآن ستين مقاتلاً فقط، حسب قول كارتر، الذي عزا سبب ندرة المتطوعين السوريين إلى "شهر رمضان".
وكانت واشنطن اعلنت نيتها انشاء القوة السورية المزعومة في خطوة اعتبرها أبرز العارفين بشؤون الثورة السورية غير كافية، فيما رأى كثيرون ان هدف انشائها يقتصر على محاولة ادارة الرئيس باراك أوباما رفع الحرج عنها اعلاميا وامام الكونغرس. وتصدر منتقدي خطة الادارة هذه، الدبلوماسيان المتقاعدان فرد هوف وروبرت فورد، اللذان اعتبرا أن عدد خمسة الاف مقاتل لا يكفي لإحداث أي فارق في ميزان القوى العسكرية على الأرض السورية.
هكذا، بعد عام على إعلان واشنطن خطتها تدريب معارضين سوريين، تواجه الادارة الاميركية مشكلة تكمن في ندرة عدد المتطوعين، وهو ما صار يتسبب لها بإحراج واضح، كما بدا اثناء مثول كارتر وديمبسي في مجلس الشيوخ.
الرعاة الإقليميون لحركة "أحرار الشام" تنبهوا الى حاجة الادارة لمقاتلين سوريين، فأوعزوا لمدير مكتب العلاقات الخارجية في الحركة لبيب النحاس، بتوقيع اسمه على مقالة رأي في صحيفة "واشنطن بوست" تمحورت حول اقناع الولايات المتحددة بضرورة تغيير نظرتها تجاه ثوار سوريا، والتمييز بين المتطرفين من الفصائل السورية وبين المعتدلين منها. وحاول النحاس تقديم "أحرار الشام" بصورة الفصيل الاسلامي السني المعتدل، وقال إن مجموعته مستعدة لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
وتصدت المقالة لعدد من السياسات التي تدور حولها نقاشات في أروقة القرار الاميركية، بطريقة تشي ان الكاتب الفعلي يتمتع بمعرفة عميقة لمخاوف واشنطن، ويحاول معالجتها وتقديم "احرار الشام" كخيار وبديل للفشل الأميركي الحالي.
تتصدر معالجة المخاوف الاميركية إعلان النحاس أن لا علاقة لمجموعته بتنظيم القاعدة، وهو ضمنياً يشير إلى أن لا علاقة لمجموعته بـ"جبهة النصرة"، التي تصنفها واشنطن ارهابية مثل "داعش". في الدرجة الثانية، عالج النحاس قلقاً صار يسيطر على اصحاب القرار في واشنطن ويتمثل باحتمال انهيار الأسد والقوات المتحالفة معه وسيطرة المجموعات الارهابية على دمشق، وهو ما حدا بالنحاس الى تقديم فصيله كبديل للاثنين: الأسد من جهة، وداعش والنصرة من جهة ثانية.
كذلك، يغطي المقال مخاوف الادارة الاخرى، فيعلن ان اهداف "احرار الشام" تتضمن منع انهيار الدولة السورية، واقامة حكومة بعد رحيل الأسد تمثل جميع السوريين، وهو تلميح لقبول الاحرار لحكومة وحدة وطنية تضم الاقليات وغير المسلمين.
على أن ما تقدمه "أحرار الشام" قد لا يفي بحاجة الادارة الاميركية، التي ترفض بأن تتعامل مع الثوار السوريين كفصائل، أو كثوار، فالإدارة الاميركية تتمسك بتسمية "المعارضة السورية" حتى تؤكد مراراً أنها ترفض استبدال الحكومة السورية الحالية بنظام جديد كلياً، بل ترغب في رؤية المعارضة تدخل في النظام القائم لتنتج حكومة جديدة جامعة.
ولأن واشنطن ترفض الاعتراف بالفصائل، فهي منذ أن باشرت "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي اي) بتدريب مجموعات صغيرة من الثوار، على الأرجح بهدف جمع معلومات حول الثوار وتكوين صورة عنهم ونسج علاقات مع بعضهم، دأبت على التعامل مع المعارضين المسلحين السوريين كأفراد.
وحين أعلن أوباما عن برنامج "تدريب المعارضة السورية المعتدلة"، كان ينظر الى هؤلاء كهواة من معلمي مدارس واطباء اسنان واصحاب مهن حرة ممن ترغب واشنطن في تدريبهم وتسليحهم تسليحاً خفيفاً، للدفاع عن احيائهم وقراهم، في الغالب ضد "داعش". ولم يكن في بال أوباما وفريقه يوماً إقامة قوة متماسكة يمكنها تشكيل أي خطورة ضد قوات الأسد.
أما رؤية أوباما وبرنامجه التدريبي وسائر سياسته في سوريا فهي فشل في فشل، وهو فشل وصل على الأرض العسكرية السورية ذروته في انضمام ستين متطوعاً فقط لبرنامج تدريبي رصدت واشنطن له قرابة المليار دولار ووقعت على معاهدات مع تركيا لتنظيم استضافة الاخيرة للمعسكر.
قد يرى البعض في واشنطن ضالتهم في النحاس ومجموعته، لكن أوباما مازال بعيداً جداً عن التعامل مع مجموعات ثورية سورية، ومازال مصراً على التعامل مع أفراد في المعارضة، حتى لو لم يطوّع البرنامج إلاّ ستين مقاتلاً، وحتى لو استمر الفشل الاميركي في سوريا ستين عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق