حسين عبدالحسين
يقول صديق لي ممن تسنى لهم المشاركة في واحدة من حلقات الحوار على شبكة “سي ان ان” انه اثناء الاستراحة، توجه الاعلامي فريد زكريا الى المشاركين في الحلقة داخل الاستوديو، وقال لهم إن “الاسلام الشيعي افضل بكثير من الاسلام السني، لأنه لدى الشيعة تراتبية عمودية في القيادة”، أي ان رئيس الشيعة دينيا هو رئيس واحد وكلمته تسري على الجميع.
وزكريا هو من أتفه المحللين او الخبراء او المعلقين السياسيين ممن قرأت لهم او سمعتهم او شاهدتهم. في العام 2012، بعدما تدخلت الولايات المتحدة لمنع أذى العقيد معمر القذافي ومجازره عن أهله وناسه، استضاف دون ليمن على “سي ان ان” زميله زكريا، وسأله لما لا تتدخل واشنطن في سوريا لحماية المدنيين من الأسد على غرار ما فعلت في ليبيا، فأجاب زكريا بكل ثقة ان تكرار تجربة دعم الثوار في سوريا أمر متعذر لأنه على عكس ليبيا، التي تطل على البحر المتوسط، لا منفذ بحري لسوريا.
ونحن والحالة هذه، لا نتوقع من خبير في الشؤون الاسلامية (هكذا يقدم نفسه نظرا لاسمه) لا يفهم في الجغرافيا ان يكون ممن يتابعون شؤون ايران والعراق وسوريا وغيرها، فهو لو كان كذلك، لعرف ان أول زيارة قام بها وزير الخارجية جواد ظريف خارج ايران، بعد تعيينه وزيرا، كانت الى النجف، حيث التقى المرجع الشيعي علي السيستاني. يومذاك، كان السيستاني متمسكا بعدم لقاء اي سياسيين عراقيين او غيرهم، ولكنه منح ظريف استثناء بسبب الايجابية التي ولدها انتخاب حسن روحاني رئيسا لايران.
بعد الزيارة، نشرت صحيفة كيهان الرسمية الايرانية ان السيستاني أعرب لظريف عن تأييده لقيادة مرجع الثورة الاسلامية علي خامنئي ووقوفه خلفها. في اليوم التالي، أوعزت اوساط السيستاني الى مشاركين آخرين في اللقاء نفي ما جاء في كيهان، ففعلوا ذلك عبر صحف عراقية معروفة.
ولو كان زكريا يعرف، ولو قليلا، عن الاسلام الشيعي ام السني، لعرف ان الفقه الجعفري مبني على التقليد وتعدد المرجعيات، وان جزءا كبيرا من شيعة العالم لا يوافقون على نظرية “ولاية الفقيه”، التي قدمها الخميني في نظريته عن الحكومة الاسلامية واصبحت العقيدة الرسمية في ايران، والتي تحصر التقليد بشخص مرشد الثورة.
حتى في الدول العربية ذات النفوذ الايراني الواسع، مثل لبنان، لا يتقدم خامنئي على المرجعيات الشيعية الاخرى، فالمرجع الراحل محمد حسين فضل الله خاض معركة مع الايرانيين حول رسالته ومرجعيته، التي رفضتها طهران. لكن أكثر من ثلثي شيعة لبنان كانوا يؤيدون فضل الله، واليوم يقلدون السيستاني، حسبما أظهر احصاء اجرته جمعية “هيا بنا” غير الحكومية في بيروت قبل اسابيع.
اذا، لا قيادة عالمية موحدة ولا هرمية في القيادة الشيعية، لا الدينية ولا المدنية، ويبدو ان الاستاذ زكريا يستقي معلوماته حول حصرية ايران في القيادة الشيعية من صحيفة كيهان، او ربما من مقربين من امثالها من نظام ايران.
والاستاذ فريد زكريا اتحفنا مطلع الاسبوع بنظرية جديدة. هذه المرة، يقول زكريا عبر “سي ان ان” ان الدول الشرق اوسطية غير العربية، اي ايران وتركيا واسرائيل، أبلت بلاء افضل بكثير اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من الدول العربية. لا نعرف ما هي مقاييس زكريا، لكن لو أخذنا الاقتصاد مثالا، لرأينا ان المملكة العربية السعودية تشارك في قمة الدول العشرين، اي الدول صاحبة اكبر 20 اقتصادا في العالم، بينما ايران، والتي تتمتع بثروة نفطية لا تقل كثيرا عن السعودية، لا تأثير لها على الاقتصاد العالمي لا من قريب ولا من بعيد.
كذلك ان قارنا ايران لناحية الخدمات المصرفية والقطاع المالي بالامارات او قطر، لوجدنا ان قطاعات ايران المذكورة مازالت في العصور الحجرية.
فريد زكريا، والذي يشن حملة اليوم لاقناع الاميركيين ان الاتفاقية مع ايران انجاز اميركي باهر، يبدو انه يكره العرب جديا. في الماضي، عندما كان زكريا يطلق تصاريح مثل ان لا منفذ بحريا لسوريا، كنت اعتبره جاهلا. اليوم، صرت اراه متحاملا، وصرت اراه يكره العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق