واشنطن - من حسين عبدالحسين
عندما أرادت الولايات المتحدة توسيع ضربات التحالف الجوي الذي تقوده ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لتشمل أهدافاً داخل سورية، أرسلت رسالة الى الرئيس السوري بشار الأسد عن طريق مستشار الأمن القومي العراقي فالح الفياض، الذي وصل دمشق في 16 سبتمبر الماضي، موفداً من رئيس حكومة العراق حيدر العبادي. وفي 22 سبتمبر، باشرت مقاتلات التحالف بقصف اهداف «داعش» في شرق سورية.
الإعلام الموالي للأسد سارع حينها إلى تصوير زيارة المسؤول العراقي على انها تطبيع غربي مع دمشق، لكن الناطق باسم القوات الاميركية الجنرال وليام مايفيل قال في مؤتمر صحافي في 23 سبتمبر الماضي، إن نظام الأسد أطفأ راداراته وأنظمة دفاعه الجوي قبل بدء التحالف عملياته الجوية، بعدما أخطرت واشنطن دمشق بالأمر عبر مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة والمسؤول العراقي. وأكد مايفيل حينها عدم وجود تنسيق عسكري اميركي أو أي حديث مباشر مع القيادة العسكرية السورية.
وفي وقت لاحق، قال رئيس الاركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي امام الكونغرس إن واشنطن أمرت الأسد بإطفاء راداراته حتى يتسنّى لمقاتلات التحالف التحليق شرق سورية بحرّية مطلقة، تحت طائلة «تدمير دفاعات الأسد عن بكرة أبيها في حال أدارت قواته أنظمتها الدفاعية الجوية».
وفي مارس الماضي أيضاً، بعد سلسلة لقاءات عقدتها الحكومة التركية مع قادة جيشها، توصّلت أنقرة لاتفاقية مع واشنطن تقضي بمشاركة تركيا في الطلعات الجوية ضد «داعش» شمال سورية والعراق، كذلك قال الاتراك إنهم سيضربون معاقل تنظيمات كردية تهدّد أمنهم القومي. في مقابل ذلك، سمحت تركيا لأميركا باستخدام «قاعدة إنجرليك» الجوية القريبة من الحدود مع سورية والعراق.
وتكرر في مارس الماضي، مشهد سبتمبر 2014: وصل مسؤول عراقي رفيع إلى دمشق، هذه المرة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، الذي التقى الأسد. وراح الإعلام الموالي للنظام السوري وأصدقائه يصوّر الزيارة على أنها انفتاح غربي على الرئيس السوري، لكن مصادر غربية في العاصمة الاميركية أوضحت أن الجعفري حمل رسالة أميركية مفادها أن «على الأسد إطفاء أجهزة دفاعه الجوي شمال سورية، على غرار ما فعل في الشرق العام الماضي، تحت طائلة قيام التحالف الدولي بتدميرها».
أما سبب تخيير الأميركيين الأسد بين إطفاء راداراته أو تدمير دفاعاته الجوية فمردّه الى البروتوكول الأميركي العسكري، والقاضي بضرورة تدمير أي تهديد ممكن للمقاتلات الاميركية قبل قيامها بالتحليق في سماء الأراضي المعادية. ولأن واشنطن ترغب في تحييد الأسد وعدم تدمير دفاعاته الجوية، فهي تطلب منه أن يطفئها طوعاً. هكذا، نشأت منطقة حظر جوي تركية بعمق 45 كيلومتراً في الشمال السوري، وصار ممكناً أثناءها للمقاتلات التركية والدولية التحليق في السماء السورية بشكل متواصل، وأطل الأسد ليقول في خطاب إنه بسبب ندرة المقاتلين في صفوفه، سيتخلّى عن مناطق ليعزّز سيطرته على مناطق اخرى. وكان واضحاً ان الأسد يتخلّى عن الشمال، بعد تخلّيه عن الشرق وبعض الجنوب، حيث تجبره إسرائيل على إبقاء رادارته ودفاعاته الجوية مطفأة منذ عقود.
وبسبب غياب الرادارات التابعة للنظام السوري، لا يمكن لمقاتلاته التحليق في المنطقة التي تحلق فيها مقاتلات تركيا والتحالف. ربما يمكن لمروحيات الأسد ان تشن هجمات في منطقة الحظر، لكن المروحيات ستعرض نفسها لمخاطر الإسقاط من نيران الثوار الأرضية وكذلك من المقاتلات التركية والدولية.
هكذا، تأمل أنقرة في أن يؤدي تحييد قوة الأسد الجوية في المناطق الشمالية الى تفوّق للثوار وإقامة حزام آمن يمكن له احتواء اللاجئين السوريين ويمكن أن تتخذ منه المعارضة السورية المقيمة في الخارج مقراً لإنشائها حكومة تتمكّن في وقت لاحق من التفاوض مع حكومة الأسد للتوصّل الى حل نهائي.
ومثلما تمكّنت واشنطن من تأمين غطاء جوي للمقاتلين الكرد ضد «داعش»، تأمل أنقرة في تكرار هذا النموذج بتأمينها غطاء جوي ومدفعي أرضي للثوار السوريين ضد «داعش» والأسد، فتضمن بقاء الجهة المحاذية لحدودها الجنوبية آمنة وخالية من مقاتلين أعداء كتنظيم الدولة وبعض المجموعات الكردية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق