حسين عبدالحسين
في المشرق العربي وجزيرة العرب ثلاث حروب طاحنة تدور في سوريا والعراق واليمن. ولبنان هو من الدول التي طالتها مآسي هذه الحروب، فلجأ إليه اكثر من مليون سوري وعشرات آلاف العراقيين. لكن تبقى اكبر مآسي لبنان – من دون منازع – تورط “حزب الله” الموالي لايران في المحرقة السورية بانخراطه في الحرب الى جانب بشار الأسد، مع ما يعني ذلك من خسائر بشرية ومادية لشيعة لبنان، وخسائر معنوية غير منظورة واقتصادية للبنان على وجه العموم.
هذا الاسبوع، وفي وسط العاصفة التي تلف العالم العربي ولبنان، أثبت بعض السياسيين اللبنانيين انهم يغرقون في صغائر الامور بطريقة تشي انهم اما يجهلون ما يدور حولهم، ام ان القصد من حركتهم تشتيت الانتباه عن الاولويات، التي يتصدرها وجوب خروج مقاتلي “حزب الله” من سوريا كمقدمة لأي حلول داخل لبنان.
هذه المرة، يتصدر الغوص في التفاهات اللبنانية النائب ميشال عون، الذي يبدو انه طلب من مؤيديه التظاهر، او انه طلب من زوج ابنته، الذي رسب في الانتخابات البرلمانية ويشغل اليوم مقعد وزير الخارجية، اثارة بلبلة في الاوساط السياسية والحكومية.
طبعا، لا يهم ما يقوله عون او مطالبه، فالرجل يشتهر لدى غالبية اللبنانيين، منذ العام 1985، على انه لا يخجل من القيام بما يلزم لتحقيق غاياته الشخصية ومصالحه، فعون تحالف مع الاسرائيليين مرة ومع نظام الأسد مرات اخرى، ولكن عندما رفض الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد منحه رئاسة لبنان، أشعل عون – الذي كان قائدا للجيش اللبناني – حربا احرقت لبنان، وتحالف مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضد الأسد. ثم أوقف الحرب وارسل مندوبيه الى تسوية في الطائف في المملكة العربية السعودية، لكنه ما لبث ان رفض التسوية، وأعلن حلّ البرلمان.
واستمر عون في رعونته حتى فوضت واشنطن للأسد ادارة الشأن اللبناني، فاقتلع الأسد عون من غرفة نومه، وفرّ الأخير الى فرنسا، وعمد الى نسج علاقة مع اسرائيل، افضت بعد عودته الى لبنان الى ادانة اقرب المقربين إليه بتهمة “التعامل مع العدو” ودخول المستشار المذكور الى السجن.
واثناء اقامته في المنفى الفرنسي، ملأ عون الدنيا ضجيجا ان لبنان تقاسمته سوريا واسرائيل، ثم زار واشنطن بضيافة الاسرائيليين ووقف في الكونغرس يتهم “حزب الله” على أنه تنظيم ارهابي وأداة في ايدي الأسد وايران.
وابان قيام “انتفاضة الاستقلال” التي أجبرت الأسد الابن على سحب قواته من لبنان، تحالف عون مع الاستقلاليين، ثم انقلب عليهم وانضم لحزب الله والأسد، اعدائه اللدودين، وأعلن نفسه زعيما لمسيحيي لبنان والمشرق، والناطق باسمهم، والمدافع عن عيالهم وارزاقهم.
لا يهم انه منذ ظهور عون على الساحة في لبنان، تضاعفت اعداد المسيحيين الهاربين من المشرق العربي اما بسبب حروب عون او بسبب حروب حلفائه، مثل حرب الأسد في سوريا على شعبه. لكن في كل هذه الحروب وهجرة المسيحيين وتناقص اعدادهم، تبوأ ازواج بنات عون الثلاثة ارفع مناصب في الجمهورية اللبنانية، وهو ما زال يحرض المسيحيين على الطوائف الاخرى حتى ينال هو حلمه القديم ويصبح رئيسا للبنان، ويصبح صهره قائدا للجيش وصهره الآخر قائدا لكتلته النيابية.
لبنان يغرق في آتون حروب الأسد و”حزب الله”، وسياسيين من طراز عون ينحصر اهتمامهم بالمناصب والاموال، فيقيم عون تحالفا مع “حزب الله” على حساب لبنان والمسيحيين، ثم يحرّض المسيحيين على التظاهر في الشارع للمطالبة بأن يصبح هو رئيسا على جمهورية صدئة مفككة لا قيمة لمؤسساتها ويمسك بقراراتها “حزب الله” وحده.
لبنانيون كثر لم يتابعوا اقوال عون ولم يهتموا لصراخه هذه المرة. هم يعرفون ان دولة لبنان انتهت وان الامور بيد “حزب الله”، وهم يعرفون ايضا ان كل ما يهم “الجنرال” عون هو المزيد من المناصب والاموال لنفسه ولأصهاره.
هذا هو شكل لبنان عندما يغرق سياسيوه بتفاهاتهم وعندما يتركون الأهم، اي ضرورة حمل “حزب الله” على ترك سوريا، ويتلهون بالسخافات، أي صراخ عون ومهازله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق