حسين عبد الحسين
في اتصال هاتفي مع مستشاريه على إثر ادائه المزري في المناظرة الرئاسية الاولى في وجه منافسه الجمهوري ميت رومني الاسبوع الماضي، قال الرئيس الاميركي باراك اوباما تعليلا لفشله: “احسبوا هذه علي”. سأله كبير مستشاريه دايفيد اكسلرود ان كانت المشكلة بالسيناتور جون كيري الذي ساهم في تدريبات اوباما بلعبه دور رومني، فأجاب الرئيس الاميركي انه “لا مشكلة في كيري… كيري كان على ما يرام”.
لم يسبق ان بدا أوباما مهزوما في السياسة الى هذا الحد لدرجة ان غلاف مجلة “نيويوركر” الليبرالية جاء على شكل رسم يظهر رومني يناظر كرسيا، على غرار ما كان فعل الممثل المشهور كلينت ايستوود في مؤتمر الحزب الجمهوري قبل اسابيع.
وكشفت جريدة “نيويورك تايمز” انه في اللحظات الختامية للمناظرة، اعتقد أوباما ان اداءه كان حسنا، وان رومني كان جيدا كذلك. لكن الواقع كان عكس ذلك، ولم يتأخر مستشارو اوباما كثيرا قبل ان يزفوا إليه خبر هزيمته، وبدأوا بمواساة انفسهم بالقول إن خسارتهم تلك الليلة كان ممكن ان تكون اكبر من ذلك بكثير، وان لحسن حظ أوباما، فانه لم يتعثر اي عثرة كلامية فاضحة، كما لم يقدم خصمه رومني اي عبارة ممكن ان تتحول الى شعار او حكمة تردده الاجيال القادمة.
واذا كان أوباما لم يخطئ في المضمون، فمن اين جاءت هزيمته؟ الاجابة هي ببساطة الديموقراطية، التي غالبا ما تتأثر بالشعار والصورة والشكل والخطاب كما المضمون. هكذا، خسر اوباما مناظرة لم يرتكب فيها اي هفوة، وهو ما يبدو انه كان يخيف الرئيس الاميركي اصلا، الذي نقل عنه مقربون قوله إنه يكره المناظرات لانها لا تتعلق بالمضمون بل اكثر بالحركات الخطابية البهلوانية الموجهة الى الاعلام وحيث تتحول اكثر الافكار تعقيدا الى جمل بسيطة وسريعة بهدف ايصال الفكرة الى المشاهدين بسرعة من دون ان تثير الملل داخلهم.
على ان الاسلوب النخبوي لاوباما، بروفسور القانون، لم يرق للاميركيين، وهو، وعلى الرغم من نياته الحسنة، بدا متعجرفا ومملا وباهتا، فانعكس ذلك سلبا على شعبيته وعلى حظوظ اعادة انتخابه لولاية ثانية على ما اظهرت استطلاعات الرأي.
كما المناظرة، كذلك سياسة اوباما الخارجية، التي قد تكون ممتازة او عكس ذلك، ولكن يبدو ان اوباما غير مستعد لتقديمها لزعماء العالم ولا للاميركيين بطريقة تبسيطية تشرح مقصده وتبين وجهة نظره، فيخلق انطباعا بعدم اكتراثه لشؤون العالم وشجونه، يضاف الى اسلوبه النخبوي واستخفافه بمن يعتقدهم ادنى منه مستوى، اذ، في ذمة “نيويورك تايمز”، كان اوباما يحتقر رومني ويعتقد ان المناظرة معه اضاعة للوقت.
في شؤون الداخل، لا يمكن لاوباما ارتكاب الاخطاء – ان في المضمون أو الاسلوب – من دون ثمن في السياسة امام الناخبين. اما في السياسة الخارجية، التي تظهر استطلاعات الرأي ان 3 في المائة فقط من الاميركيين يتابعونها، فما فتئ اوباما يرتكب الخطأ تلو الخطأ، في العراق وسوريا وايران وغيرها، في غياب الحسيب.
والحالة هذه، لو كانت اميركا تعامل سياستها الخارجية كما شؤونها الداخلية، لكنا رأينا اوباما ينزل من عليائه ويجبر على تقديم وجهة نظره تحت طائلة المحاسبة من قبل الناخب الاميركي.
بكلام آخر، لو كانت ديناميكية سياسة اميركا الخارجية كتلك الداخلية، لما كان يكفي على الارجح ان يعتذر اوباما لمستشاريه بقوله “احسبوا هذه علي”، ولكنا ربما رأينا دورا اميركيا عالميا مختلفا كثيرا عما هو عليه الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق