| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
ينقل مسؤول الشرق الاوسط السابق في مجلس الامن القومي اليوت ابرامز انطباع الرئيس جورج بوش الابن عن نظيره المصري حسني مبارك ان الاخير «متقدم جدا في العمر»، وان مبارك «لن يغير ولن يسمح بالتغيير» في مصر.
ويقول ابرامز انه اثناء غداء جمعه بالرئيس المصري السابق في القاهرة اثر سقوط نظام صدام حسين في العراق العام 2003، ابدى مبارك معارضته للحرب، وقال لضيفه الاميركي ان «العراقيين غير قادرين على الديموقراطية»، مضيفا: «انت لا تفهمهم كما افهمهم انا، انهم يحتاجون لجنرال يحكمهم».
ابرامز، الذي كان وما يزال من ابرز المؤيدين لانهاء علاقة بلاده بالديكتاتوريات العربية ودعم نشر الديموقراطية، يعتقد ايضا ان القمع الذي مارسه الحكام العرب لم يؤذ الجماعات الاسلامية التي تعمل في السر، لكنه آذى كثيرا المجموعات الليبرالية التي تعتمد في ازدهارها على حرية الرأي والكلمة والتظاهر علنا، وهذه لم يكن لها مكان تحت حكم الديكتاتوريات في مصر اوتونس اوليبيا اوسورية، ما ادى الى تسلم المجموعات الاسلامية الحكم بعد سقوط «الديكتاتور» في معظم هذه الدول. الا ان ابرامز، ابرز صقور الادارة الجمهورية السابقة، لا يعترض على انتقال الحكم ديموقراطيا الى الجماعات الاسلامية غير الليبيرالية، رغم معارضته لفلسفتها وممارستها في الحكم.
لكن رأي ابرامز لا يمثل اليمين الاميركي بأكمله، اذ تعالت اصوات اميركية يمينية منذ اليوم الاول للتظاهرات التي اندلعت في مصر للمطالبة بانهاء حكم مبارك في فبراير من العام الماضي مطالبة ادارة الرئيس باراك اوباما بدعم بقاء مبارك، حليف اميركا، خوفا من تسلم «الاخوان المسلمين» الحكم في مصر.
هذا الانقسام داخل صفوف اليمين الاميركي، بين «المحافظين الجدد» الذين يؤمنون بضرورة قيام اميركا بنشر الديموقراطية حول العالم وخصوصا في العالم العربي، وبين المحافظين التقليديين الذين يعتقدون بضرورة تمسك اميركا بحلفائها من الديكتاتوريين العرب، لانهم على ما وصفهم وزير الخارجية السابق هنري كيسينجر في الماضي، «اولاد الكلب جماعتنا»، يسود في واشنطن منذ اليوم الاول للانتفاضات الشعبية العربية. هذا الانقسام يدفع الاميركيين ايضا الى تكثيف النقاشات فيما بينهم حول جدوى الربيع العربي وموقف واشنطن الانسب منه.
«من ايجابيات الديكتاتوريات العربية ان معظم الديكتاتوريين هم حلفاء موثوقون للولايات المتحدة»، يقول روبرت روزنكرانز اثناء المناظرة التي نظمتها جمعيته في نيويورك بحضور دانيال بايبس، الناشط اليميني المعروف، وزهدي جاسر، رئيس «المركز الاميركي الاسلامي من اجل الديموقراطية»، من جهة، ومارك رويل - غريخيت، ضابط «وكالة الاستخبارات المركزية» السابق والباحث في «مركز الدفاع عن الديموقراطريات» اليميني، وبرايان كاتوليس، المقرب من ادارة اوباما والباحث في «مركز التقدم الاميركي» اليساري، من جهة اخرى.
وقال روزنكرانز، اثناء تقديمه للمناظرة بين الجانبين، ان «من سلبيات الديكتاتوريين العرب انهم جشعون، ويبقون في السلطة عن طريق وسائل قمعية، واجهزة استخبارات تطفلية على شؤون الناس، وشرطة سرية، وعنف ضد المعارضين».
اما «ايجابيات المجموعات الاسلامية»، حسب روزنكرانز، «فهي ببساطة انهم منتخبون، والديموقراطية جزء اساسي من قيمنا، ولكننا نفكر بالديموقراطية على انها ليبرالية ولكن ما نراه في الشرق الاوسط هو ديموقراطية غير ليبيرالية، اي ديموقراطية من دون حرية تعبير، من دون حرية دين، ومن دون حكم واضح للقانون».
ثم تكلم رويل - غريخيت، وهو من احد ابرز الوجوه التي ايدت حرب العراق، وقال ان على الولايات المتحدة قبول فكرة وصول الاسلاميين الى الحكم، وان هؤلاء «يعتدلون» لدى وصولهم الى الحكم ومواجهتهم للواقع ولشؤون الحكم المعقدة اكثر مما كانوا يتصورون اثناء وجودهم في المعارضة.
هنا رد بايبس، المؤيد لحرب العراق ايضا، بالقول: «قلت انه عندما يصل الاسلاميون الى السلطة يعتدلون، وانا اجيب، طبعا، حدثني عن ايران، اين هو الاعتدال في ايران؟ ان لا ارى اعتدالا في حكم الاسلاميين في ايران بل ارى حكومة شريرة».
واعتبر بايبس انه كان على الولايات المتحدة دعم مبارك في محاولة لابقائه في الحكم، مع الاصرار على اجرائه اصلاحات، لان البديل في مصر اليوم هو حكم مبني على الشريعة الاسلامية، على حد قوله.
بيد ان رويل - غريخيت اصر على قوله، واعتبر ان محاولات متعددة حصلت في ايران من اجل ادخال الاعتدال الى الحكم، الا انه تم اجهاضها من قبل المتطرفين الذين يحكمون، وعلى رأسهم مرشد الثورة علي خامنئي. وقال رويل - غريخيت: «خامنئي اوقف عملية الانتقال الى الاعتدال في العام 1997 وفي العام 2009، وبالمناسبة، عملية الانتقال الى الديموقراطية في الغرب لم تكن جميلة، بل كانت رحلة طويلة».
عن «حكم الشريعة» في مصر، قال رويل - غريخيت: «هناك كثيرون من المصريين ممن لا مشكلة لديهم مع القانون المقدس، ولا اعتقد انه يمكن لك ان تأخذ القانون المقدس -- كما حدث في بلدان شرق اوسطية اخرى، ورميه». واضاف: «رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي فعل ذلك، اخذ القانون المقدس ورماه بعيدا، لكن الحل هو في الارتقاء والتطور، لا حل آخر». وختم متوجها الى بايبس: «لقد لفتت الى مبارك، وانه كان علينا حثه على الاصلاحات، لقد حاولنا ان نحثه، وكان في كل مرة يقول، اما انا او الاسلاميون».
اما جاسر، الذي جلس في جهة بايبس معترضا على دعم اميركا للتغيير في الدول العربية، فقال ان «الارتقاء والتطور يكون عبر وقوف اميركا الى جانب الليبراليين الذين يتكلمون ضد الثيوقراطية (حكم رجال الدين)». واضاف ان «الاسلاميين هم نتاج حكم الديكتاتوريات، والحل هو في دعم خط ثالث يتمثل بالليبراليين».
هنا تدخل كاتوليس بالقول: «حتما لا يجب ان ندعم الاسلاميين، ما نقوله هو وجوب دعم الولايات المتحدة للنظام الديموقراطي المفتوح، واعتقد انه من التبسيط القول ان الولايات المتحدة دعمت الاسلاميين، بل دعمنا انفتاح النظام حتى تصبح النقاشات ممكنة حول مستقبل هذه البلاد واشكال الحكم فيها».
قول كاتوليس قد يكون مجافيا للواقع، ففي يوليو الماضي، واثناء زيارته القاهرة، قال وزير الدفاع ليون بانيتا: «لقد كنت مقتنعا ان الرئيس (المصري محمد) مرسي هو سيد نفسه، وانه رئيس لكل الشعب المصري». واضاف ان مرسي «ملتزم بصدق تطبيق الاصلاحات الديموقراطية».
لكن بالنظر الى تاريخ مرسي كعضو في «مكتب الارشاد» للاخوان، حسب ابرامز، وبالنظر الى خطوات مرسي ضد حرية الصحافة في اغسطس، والتي لاقت اعتراضات شديدة من الصحافيين وناشطي حقوق الانسان المصريين «ولكن ليس من قبل الادارة الاميركية»، من الغريب كيف «اقتنع» بانيتا بهذه السهولة»، يضيف ابرامز، الذي يختم ان على بلاده دعم الديموقراطيات في العالم العربي، مع وضع شروط على المساعدات الاميركية وتوجيهها نحو الليبراليين وبعيدا عن الاسلاميين.
ابقاء مبارك وبن علي وبشار الاسد، او دعم الليبيراليين ما بعد حكم هؤلاء، او البحث عن اصدقاء بين «الاخوان المسلمين»، كل هذه الخيارات الاميركية ماتزال قيد النقاش في واشنطن، ما يجعل موقفها من «الربيع العربي» متحيرا ومتذبذبا حتى اشعار آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق