الجمعة، 25 سبتمبر 2015

في تسع سنوات.. 117 مليون حاج وموت قلّة في حادث

واشنطن - حسين عبدالحسين

لقي أكثر من 700 من حجاج بيت الله الحرام حتفهم في حادث تدافع مؤسف في مكة المكرمة يوم الخميس، ما دفع السلطات السعودية الى استنفار أجهزتها ووضعها أكثر من 200 آلية في تصرف فرق الإنقاذ، فضلا عن مروحيات طبية لنقل الجرحى والمصابين الى المستشفيات القريبة.

ويبدو ان التحدي الأكبر الذي واجهه السعوديون، وسط الحادث المروع، محاولة اخلاء الضحايا والمصابين من دون اغلاق الحرم الشريف الذي كان يغص بمليوني زائر. ولطالما واجهت السعودية حوادث مشابهة في الماضي، ولكن على الرغم من الخبرة المكتسبة، تظلّ مواجهة هكذا احداث طارئة من الأمور المعقدة.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز زار مكة منتصف الأسبوع الماضي للإشراف على توافد الحجيج والاستعدادات المرافقة للحدث السنوي الأهم لدى المسلمين حول العالم. وبعد وقوع حادث يوم الخميس، كلّف خادم الحرمين مستشاره أمير مكة خالد الفيصل بمتابعة الأمر، فكان في طليعة المشرفين على عمليات اخلاء الضحايا وإنقاذ المصابين.

وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الداخلية السعودية فتحها تحقيقا في الحادث، ربما ليس بهدف العقاب او القصاص، بل للوقوف على أي أخطاء يمكن تفاديها في المستقبل.

لكن على الرغم من فاعلية وسرعة السلطات السعودية في التعاطي مع الحادثة، وعلى الرغم من المعدات والمنشآت الأولى عالميا التي تقدمها السعودية لتسهيل موسم الحج، وعلى الرغم من الخبرة التي راكمتها السعودية في إدارة اعداد الحجيج المتزايدة بشمل مضطرد كل عام – فضلا عن الوافدين للقيام بعمرة على مدى العام – تبقى عملية إدارة شؤون الحاج عملية معقدة.

وحتى نفهم مدى تعقيد تنظيم مناسبة يشارك فيها هذا العدد من الزوار سنويا، يمكن ان نلتفت الى أمثلة في أماكن أخرى في العالم.
في مدينة برشلونة الاسبانية، حيث ناديها العريق لكرة القدم، يقع أكبر مدرّج في أوروبا بسعة حوالي مئة ألف مشاهد. لنتخيل عدد مشاهدي مباراة في ملعب برشلونة، ثم نضرب هذه الكتلة البشرية الهائلة بالرقم عشرين، ونعتبر ان المليونين هؤلاء باقين في الملعب وجواره لمدة تتراوح بين أسبوع واسبوعين.

على ان الفارق بين اسبانيا والسعودية هو ان المئة ألف مشاهد يحضرون مباراة كرة القدم لمدة تسعين دقيقة ويعودون الى منازلهم، اما في الحاج، فيقوم مليوني مشارك بممارسة شعائر تتضمن – الى الصلوات الخمس اليومية وربما نوافل إضافية – تجوّل الحجيج في الحرم المحيط بالكعبة الشريفة للقيام بالسعي وزيارة الأماكن حسب التقاليد المتبعة.

وما يزيد في الأمور تعقيدا ان الحجيج يفدون سنويا من 160 دولة على الأقل، هي عدد الدول الأعضاء في “منظمة الدول الإسلامية”. وهو ما يعني ان بين المليوني حاج يوجد على الأقل بضع الاف ممن لا يتكلمون بأي لغة غير لهجاتهم المحلية المحكية، وهو ما يعقد عملية إيصال إرشادات السلامة العامة والتعليمات إليهم.

وفي وقت يعرف غالبية المسلمين العربية لأنها لغة العبادة عندهم، الا ان معرفتهم قد تنحصر بالشؤون الدينية والعبادية، أي انهم على الرغم من كونهم مسلمين، قد يصعب التواصل معهم على الرغم من محاولة السلطات السعودية طبع كراسات الارشادات والخرائط بأكبر عدد من اللغات. لكن يبدو حتميا ان بعض اللغات لن تصل مكة المكرمة او القيمين على موسم الحج فيها.

من سبق ان شارك في مناسبات فيها اعداد كبيرة يعرف ان مفتاح نجاح التنظيم فيها يكمن في تواصل المنظمين مع الحاضرين. ويبدو ان انقطاع هذا التواصل هو السبب في حادثة الخميس المؤسفة عندما دخل عدد من الحجيج، ممن كانوا يؤدون المراسم قبل اشراق الشمس الحارقة، ممرا، ولكن عكس وجهة السير المخصصة، ما أدى الى مواجهتهم تدفق حجاج آخرين. وأدى الارتباك والتدافع الى مقتل واصابة مئات.

يقول البنك الدولي انه في العام 2013، استقبلت المملكة العربية السعودية 13 مليون سائح، يعتقد ان معظمهم من الوافدين الى السياحة الدينية في مكة والمدينة، وهو ما يعني انه سنة بعد سنة، وحج بعد حج، وفي ظل موسم العمرة المفتوح، استقبلت المملكة 117 مليون زائر في الأعوام التسع الماضية، وسارت كل زياراتهم بشكل منتظم، ما عدا قلية قليلة جانبها الحظ يوم الخميس.

هذه الصورة بالأرقام تبدو مختلفة عن صورة يحاول البعض رسمها وتصوير وكأن عملية الحج عملية غارقة في الأخطاء البشرية، وهي صورة تجافي الحقيقة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008