الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

تحامل غربي على الخليج

حسين عبدالحسين

في مقالة بعنوان “اصدقاؤنا الى الأبد من الاسلاميين المتطرفين”، كتب توماس فريدمان المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” مقالة اعترض فيها على توجيه أكثر من 200 جنرال سابق في الجيش الاميركي عريضة الى الرئيس باراك أوباما عبّروا فيها عن مخاوفهم تجاه الاتفاقية النووية مع ايران، واعربوا فيها عن قلقهم من كون ايران الداعمة الأكبر للمجموعات الاسلامية المتطرفة حول العالم.

وكتب فريدمان انه كان شاهدا على ارهاب ايران عندما دمرت مجموعات لبنانية تابعة لها السفارة الاميركية ومقر المارينز في بيروت في هجومين في العام 1983. لكنه يضيف بالقول انه يبدو ان الجنرالات كانوا نائمين عندما شن 19، منهم 15 يحملون جوازات سفر سعودية، هجمات في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 في واشنطن ونيويورك.

فريدمان، المعروف بسطحيته الفكرية، هو من أقرب المثقفين الى الرئيس باراك أوباما، ما يشي بأن مقالته هي من وحي التفكير العام داخل الفريق الرئاسي. اما انخراطه في النقاش لمصلحة الاتفاقية النووية، مقحما السعودية التي لم يرد ذكرها في العريضة اصلا، يوحي كذلك ان هناك اعداء للمملكة يختبئون خلف أوباما وداخل ادارته.

وفي انحياز فريدمان لايران ضد السعودية افتراء واضح، فتفجيرات بيروت التي قتلت أميركيين قامت بها ميليشيات متصلة رسميا بالنظام الايراني، فيما هجمات 11 سبتمبر تقف خلفها مجموعات ارهابية على عداء مع الحكومة السعودية، منذ منتصف التسعينات. وتظهر وثائق الرئيس بيل كلينتون التي تم الافراج عنها العام الفائت ان واشنطن كانت على تنسيق مع الرياض لمواجهة التطرف الذي استهدف مواقع وشخصيات سعودية متعددة على مدى العقدين الماضيين قبل هجمات 11 سبتمير 2001، وهو تعاون مستمر حتى اليوم.

ومن نافل القول ان فريدمان يغفل ان تفجيرات ايران الارهابية حول العالم لم تقتصر على العام 1983، بل هي استمرت على مدى التسعينات والعقد الماضي، حتى قبل سنوات قليلة عندما احبط “مكتب التحقيقات الفيدرالي” (افي بي آي) تفجيرا كانت تخطط له طهران لاستهداف سفير المملكة في واشنطن في حينه ووزير الخارجية اليوم عادل الجبير.

هكذا، فيما تسهر حكومة ايران على تنفيذ تفجيرات حول العالم، وفيما تجهد حكومة السعودية في مكافحة الارهاب الى حد دفع الارهابيين الى محاولة الانتقام من كبار المسؤولين السعوديين، يصرّ فريدمان على ان على واشنطن استبدال حليفها الرياض بعدوها طهران.

والتحامل الغربي على السعودية، والخليج عموما، لا يأتي من أميركا فقط، فقناة “بي بي سي” البريطانية المحترمة، مثلا، تنفق ساعات وهي تبث تقارير وصور من اليمن متهمة التحالف العربي باستهداف مدنيين يمنيين. ويتباكى المعلقون في القناة على وقوع اكثر من اربعة الاف قتيل في حرب اليمن، وهي خسارة مؤسفة في كل حال.

لكن انسانية “بي بي سي” هذه تتبخر في الموضوع السوري، حيث تعدى عدد القتلى الربع مليون، بل ان “بي بي سي” تحمّل الخليج مسؤولية غرق لاجئين سوريين هربوا من مجازر نظام الرئيس السوري بشار الأسد وغرقوا بسبب اغلاق اوروبا ابوابها في وجوههم. ثم يخرج المسؤولون الاوروبيون مثل وزيري خارجية النمسا وبريطانيا والمستشارة الالمانية، ليقولوا انه لا بد من التعاون مع الأسد، على الرغم من اجرامه، لحل مشكلة النازحين.

حول اللاجئين السوريين، توجهت بعض اصابع اللوم الغربي الى الخليج فورا، ومن دون اي اثباتات، بث عدد كبير من وسائل الاعلام الغربية، كما الموالية لايران، تقارير تزعم ان عدد اللاجئين السوريين في الخليج هو صفر، وتكرر بكل ثقة صفر، وتزيد هذه التقارير ان دول الخليج – التي تبرّعت بأكثر من ملياري دولار لدعم اللاجئين على الرغم من تقديم الامم المتحدة جزءا من هذه الاموال الى الهلال الاحمر السوري التابع لنظام الأسد – لم تنفق اي اموال لرفع المعاناة عن السوريين.

وهكذا، يوم بعد يوم وكذبة بعد كذبة، يحول بعض الغربيين دول الخليج الى شياطين، ويصورون ايران – التي لم تستقبل اي لاجئين سوريين ولم ترسل إليهم الا المزيد من القنابل للأسد ليلقيها على رؤوسهم – على انها حضارة قديمة وراقية وصديقة للغرب.

دول الخليج ليست ديموقراطيات ليبرالية، ولكن غالبية دول العالم ليست ديمقراطيات كذلك، من الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الى روسيا التي مازالت تعتقد نفسها قوة عظمى، فإيران التي تتباهى بحضارتها العتيقة. كلها دول تختار انظمة تعتقد انها تناسبها وتناسب شعوبها ومصالحها، لكن اللوم الغربي غالبا ما يقع على الخليج وحده لتبنيه نماذج في الحكم تختلف عن السائدة في الغرب.

اما ابرز فارق بين دول الخليج، من ناحية، وايران وروسيا والصين من ناحية ثانية، هو انه لم يتراءى للحكومات الخليجية يوما انه يمكنها ان تحول بلدانها الى سجون كبيرة معزولة عن العالم، فالانترنت مفتوحة بشكل شبه كلي في الخليج، ومشاركة الخليجيين في وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون الاعلى في العالم.

كذلك، على عكس قوى قهر الامبريالية المزعومة، لا يعاني الخليجيون من ازمات مالية ومعيشية، اذ نجحت حكوماتهم في استغلال ثرواتها النفطية لمصلحة شعوبها ومعاشهم وبنيتهم التحتية، فيما الدول العظمى ذات الحضارة كإيران وروسيا – والتي تتمتع بثروات نفطية مشابهة – يعيش مواطنوها في عوز وفقر فيما اموال نفطهم تشتري صواريخ وتوزعها على انظمة القمع الصديقة، مثل الأسد.

هي حملة ضد الخليج تشترك فيها مجموعات ضغط في العواصم الغربية مع سياسيين شعبويين وناشطين عديمي الخبرة، وهي حملة بعيدة عن الواقع، وعن اي شيء آخر غير التحامل.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008