| واشنطن - من حسين عبدالحسين|
وسط فضيحة التلاعب في تقارير الاستخبارات العسكرية وتصوير الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) ناجحة رغم فشلها، وبعد تصريحات قائد «المنطقة الوسطى» في الجيش الاميركي لويد اوستن ان برنامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية انجب 4 او5 مقاتلين فقط، وبعد هجوم شنه ديفيد بترايوس «بطل حرب العراق» ضد اداء الرئيس باراك أوباما في العراق وسورية، وجه جنرال ثالث هو المبعوث الرئاسي الى التحالف الدولي للحرب ضد داعش جون آلن ضربة سياسية قاسية للحكومة الاميركية مع انتشار نبأ استقالته من منصبه.
وعلى الفور، سارع البيت الابيض على لسان الناطق باسمه جوش ارنست الى نفي ان يكون سبب خروج آلن من منصبه احباطه بسبب تعثر الحرب الاميركية ضد «داعش»، وقال ان آلن وقع عقدا لمدة ستة اشهر، ولكنه بقي في منصبه لفترة اكثر من عام. الا ان التبرير «التقني» الذي اورده ارنست لم يقنع الصحافيين، الذين طاردوه بأسئلتهم حول سبب خروج آلن حتى بعد انتهاء المؤتمر الصحافي في البيت الابيض واطفاء الكاميرات. ومع ان ارنست لم يرد، الا انه بدا مرتبكا، وراح يكرر الاجابة غير المقنعة نفسها.
على ان من يعرف آلن يدرك ان سبب استقالته هو قناعته ان الحرب ضد «داعش» متعثرة، وبعدما حاول عبثا نيل تأييد أكبر من الرئيس باراك أوباما لخطواته، لكن أوباما بقي على عادته: مناورا ومترددا.
وسبق لآلن ان عمل ضابطا مسؤولا عن محافظة الانبار العراقية اثناء خطة «زيادة القوات» في 2008. ويروي من عملوا الى جانبه انه نجح في نيل ثقة العشائر السنية، الى درجة انه كان يصل في سيارته العسكرية من نوع «هامر» امام الخيمة التي كان مقررا ان يلتقي فيها شيوخ العشائر، فيخرج هؤلاء للقائه لحظة ترجله من سياراته وهم يلوحون ببنادقهم في الهواء ويرددون «الله أكبر جون آلن».
وبعد انهيار القوات العراقية في الموصل ووقوعها في ايدي «داعش»، تسلل رئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي الى الليموزين الرئاسية، التي كانت في طريقها لنقل أوباما من وزارة الخارجية حيث كان التقى زعماء الدول الافريقية الى البيت الابيض. وفي المسافة القصيرة بين الموقعين، ترجل أوباما من السيارة وعقد اجتماعا في «غرفة الأوضاع»، خرج بعده للإعلان عن تحرك أميركي سريع لوقف تمدد «داعش».
واتفق ديمبسي وأوباما على الاستعانة بخبرات الضباط ممن نجحوا في دحر تنظيم «القاعدة» وتثبيت أمن العراق في «خطة زيادة القوات». ديمبسي نفسه كان واحدا من هؤلاء الضباط. ضابط آخر كان قائدهم هو بترايوس، لكن هذا الاخير كان اجبر على الخروج من الحياة العامة بعد فضيحة تورطه جنسيا مع مؤلفة كتاب عن حياته سمح لها بقراءة وثائق حكومية سرية. اما آلن، فكان من أبرز المشاركين في «زيادة القوات»، فاتفق الرئيس الاميركي ورئيس اركانه على تعيينه مبعوثا رئاسيا خاصا لبناء تحالف دولي وتنسيق الجهود السياسية والعسكرية للقضاء على داعش.
وبعد المشاورات بين ديمبسي وآلن، توصل الجنرالان الى خطة مفادها ان «حجر الزاوية» في خطة الحرب الاميركية ضد «داعش» تقضي بإعادة استقطاب العشائر السنية واقامة قوة مقاتلة لها تتمتع باستقلالية عن حكومة بغداد الفيديرالية. وقدم ديمبسي للكونغرس خطة اقامة «حرس وطني» سني عراقي مستقل كخطوة اساسية في خطة الحرب.
لكن أوباما، الذي يسعى منذ العام 2008 الى نيل رضا طهران والتوصل لاتفاقية نووية معها كفاتحة لعودة العلاقات وربما التحالف بينهما، استجاب للمعارضة الشيعية الايرانية - العراقية لموضوع اقامة «حرس وطني» سني مستقل، فتراجع الرئيس الأميركي عن الخطوة الأساس في الحرب. منذ ذلك التاريخ، أدرك آلن -على لسان من كانوا على تواصل معه - ان الحرب ضد «داعش» متعثرة، وان هدف أوباما هو اضاعة الوقت حتى خروجه من البيت الابيض في يناير 2017 وتسليمه الحكم لخلفه.
ديمبسي، وبترايوس، وآلن وغيرهم من الضباط الحاليين والسابقين من العارفين في شؤون الشرق الاوسط، كما الديبلوماسيين الحاليين والمتقاعدين من امثال فرد هوف والسفير السابق في سورية روبرت فورد، ممتعضون من أوباما وسياسته الخارجية وادائه في سورية والعراق.
وفي حملته المستمرة منذ العام 2011 لدفع الولايات المتحدة على لعب دور أكبر في سورية والعراق، استعان السيناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين ببترايوس، الذي يستأنف عودته الى الحياة العامة رويدا رويدا.
واستضاف ماكين، في «لجنة القوات المسلحة» التي يرأسها في مجلس الشيوخ، بترايوس. وقال انه في اوقات مثل التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط والعالم، يجب على الاميركيين الاستماع لأصوات اصحاب الرصيد الكبير في السياسة الخارجية، من امثال بترايوس.
وأطل الجنرال السابق في جلسة استماع ليقدم اعتذارا عن هفوته التي كلفته عامين من السجن مع وقف التنفيذ وغرامة بلغت قيمتها 100 الف دولار. لكن بعد اعتذاره واعلانه انه من الآن فصاعدا سيمضي بتواضع وتصميم، انتهت نبرة بترايوس الهادئة، وارتفعت في هجوم قاس شنه على أوباما وادارته بسبب ادائهما السيئ في سورية والعراق.
وقال بترايوس، الذي سبق ان زار دمشق وقابل الرئيس السوري بشار الأسد يوم كانت واشنطن تطلب من الاخير وقف تدفق المقاتلين الاسلاميين المتطرفين من سورية الى العراق، انه يمكن للولايات المتحدة ان توجه تهديدا واضحا للأسد، مضيفا: «يمكننا، على سبيل المثال، ان نقول للأسد ان استخدام البراميل المتفجرة يجب ان يتوقف، وانهم اذا استمروا، نوقف القوة الجوية السورية عن التحليق».
وشبّه الأزمة السورية بأزمة تشرنوبل في اوكرانيا، التي شهدت تسربا نوويا في العام 1986، معتبرا ان نتائج الأزمة السورية «ستبقى معنا لعقود، وكلما طالت، تسببت بالمزيد من عدم الاستقرار والتطرف في المنطقة والعالم».
ويعتقد بترايوس ان على الولايات المتحدة التزام حماية المدنيين والثوار من الأسد، معتبرا ان هجمات الأسد على هؤلاء هي «المحرك الأساسي خلف الراديكالية» التي تغذي «داعش». كذلك يعتقد بترايوس ان هجمات الأسد ضد السوريين هي التي تتسبب بأزمة اللاجئين التي طالت أوروبا ومنطقة الشرق الاوسط عموما.
وتابع بترايوس القول ان «السنة العرب لن يتطوعوا كحلفاء (لأميركا) ضد الدولة الاسلامية ما لم نلتزم حمايتهم والسوريين بشكل عام ضد كل اعدائهم، لا ضد داعش فحسب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق