الخميس، 24 سبتمبر 2015

العرب والقاتل… الغرب والضحية

حسين عبدالحسين

مذهل الانحطاط الاخلاقي الذي بلغه بعض العرب وكثيرون في الغرب.

عند العرب اناس لا تزعجهم الجرائم، كبيرها او صغيرها، ولا يؤرقهم منظر الدماء. ما يعني هؤلاء العرب هي هوية القاتل. مثلا ان تقتل اسرائيل فلسطينيا، ترى هؤلاء العرب يصرخون بأعلى اصواتهم على شاشات الفضائيات. يدينون، يشتمون، ويتوعدون الامبريالية والامبرياليين. لكن ان يقتل الرئيس السوري بشار الأسد ربع مليون من شعبه في ابشع مجزرة عرفها التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية، او ان يحترق رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري على ناصية طريق بيروت البحري بعد تعرضه لاكبر عملية تفجير عرفها التاريخ الحديث، يتحول صراخ “اهل القضية” من العرب الى تحليل سياسي هادئ، غالبا ما يكون عبارة عن نظرية مؤامرة تحاول اخفاء هوية القاتل واستبدالها بـ “امبرياليين”.

ولكن حتى بعد ان يستبدل هؤلاء العرب هوية القاتل المحلي باسرائيل او بقاتل آخر “امبريالي”، لا نراهم يصرخون او يتوعدون. مثلا، بعدما قتلت اسرائيل في دمشق القائد العسكري في “حزب الله” اللبناني، توعد الحزب اسرائيل بالانتقام، ونفّذ “عملية الرضوان” بتبادله سجناء مع الاسرائيليين. اما بعد مقتل الحريري، الذي يقسم قادة “حزب الله” انه احبهم واحبوه، أطل زعيم الحزب السيد حسن نصرالله في خطاب بث اثناءه ما قال انها صور التقطتها طائرة اسرائيلية من دون طيار للدرب التي سلكها الحريري قبيل اغتياله. وأكد نصرالله ان اسرائيل هي التي قتلت رئيس حكومة لبنان الاسبق. ولكن، على عكس الانتقام الذي لحق اسرائيل لقتلها مغنية، لم ينتقم الحزب من اسرائيل لمقتل الحريري.

“حزب الله” كان يعلم ان حديثه عن هوية قاتل الحريري هو من باب التستر على الهوية الحقيقية للقتلة الذين أظهرت محمكة دولية، تعمل برعاية الامم المتحدة، انهم قياديون في “حزب الله”. لهذا، غضب وصرخ وانتقم نصرالله من الاسرائيليين لقتلهم مغنية، وطالب بالتوصل الى “حلول سياسية” لجريمة قتل الحريري.

في السياق نفسه، رأينا العرب ألوفا مؤلفة في الشوارع تتظاهر ضد الاحتلال الاميركي للعراق وتدخل واشنطن في شؤون العراقيين بقلبها نظام رئيسهم الراحل صدام حسين، وسمعنا بعض هؤلاء العرب يعترضون على الضربة التي وعدت أميركا بتنفيذها ضد نظام الأسد عقابا له على مجزرته الكيماوية في ضواحي دمشق في 2013، لكننا لم نقرأ بيان اعتراض عربي واحد ضد الغزو الروسي لسوريا، وتدخل موسكو بشؤون السوريين بدفاعها عن رئيسهم، الذي يقتلهم، وابقائه في الحكم.

عند هؤلاء العرب، عملية القتل او الاحتلال لا تعنيهم. ما يعنيهم هو هوية القاتل او المحتل. فان كان القاتل اسرائيل او المحتل أميركا، ثاروا غضبا. اما ان كان القاتل ايران او المحتل روسيا، يتحول غضبهم الى حديث عن مفاوضات سياسية وتسويات سلمية وموازين اقليمية ودولية.

وفي الغرب، كما عند بعض العرب، افراد ومجموعات انعدمت اخلاقها وشابت معاييرها نفس الازدواجية الكريهة. مثلا، عندما تعرضت الولايات المتحدة لهجمات 11 سبتمبر الارهابية، التي راح ضحيتها قرابة 3 الاف اميركي، ثارت واشنطن، واشعلت العالم، واعتبرت الهجوم جريمة ضد البشرية وصورت الارهاب عدوا للبشر، وهذا صحيح. لكن بعد مرور اربعة اعوام على ممارسة الأسد للقمع الدموي، الذي فاق الارهاب، بحق السوريين، فقتل منهم حوالي ربع مليون، نرى واشنطن تتحدث بنبرة هادئة، وتعتبر ان الحل الوحيد هو سياسي ويقضي بحوار بين القاتل والضحية، فالضحية هذه المرة ليست اميركية، والدماء السورية التي تسيل ليست دماء اميركية، لذا، لا ضير من الانتظار حتى تنضج الظروف الدولية وتصبح مواتية لحل سياسي.

كثيرون في أميركا والغرب لا يعتقدون انهم معنيون بعملية القتل المستمرة في سوريا. فقط عندما تتعرض مدن او اهداف غربية لهجمات، نرى الغرب يطالب العالم بالوقوف صفا واحدا لمكافحة الارهابيين ومنع سقوط المزيد من القتلى الغربيين.

انها ازدواجية ما بعدها ازدواجية ورياء ما بعده رياء عند بعض العرب، الذين لا تحركهم الجريمة بل تحركهم هوية القاتل، فقط ان كان خصمهم في السياسة. وهو كذلك نفاق ما بعده نفاق عند الغرب الذي يشعل العالم دفاعا عن الروح البشرية، ولكن فقط عندما تكون الضحية غربية. اما عندما يكون الضحايا عرب، في سوريا ام في فلسطين، فيصمت الغربيون، او على الاقل يصمت كثيرون منهم.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008