واشنطن - من حسين عبدالحسين
لخّص الإيميل الذي أرسله أحد المتابعين للقاء الرئيسيْن الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، عبر البريد الداخلي للبيت الأبيض وعنونه «94 دقيقة من النييت (كلا بالروسية)»، فحوى لقاء القمة الذي جمع الزعيميْن للمرة الأولى منذ عام.
ورغم تكتّم البيت الأبيض على مجريات اللقاء عموماً، إلا ان أحد المقرّبين من الإدارة الأميركية قال ان الرئيسيْن خلف الأبواب الموصدة، لم يحيدا عمّا سبق أن قالاه في خطابيْهما، خصوصاً حول الأزمة السورية التي «استحوذت على كامل الحديث بينهما».
وكان أوباما قال في خطابه امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة انه لا يعتقد ان كون بديل الرئيس السوري بشار الأسد أسوأ منه يعني ان على العالم القبول ببقاء الأسد الذي يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة. وجدد أوباما تمسّكه بالديبلوماسية حلاً في سورية، على ان تؤدي الى نقل السلطة من الأسد الى حكومة وطنية جامعة، فيها عناصر من النظام والمعارضة.
اما بوتين، فكان أطل على الاميركيين عبر برنامج «شارلي روز» التلفزيوني الشهير، وتحدث بتهكّم عن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، مردّداً ان البرنامج الأميركي لتدريب المعارضين السوريين لقتال التنظيم المتطرف جنّد 60 مقاتلاً فقط، أربعة او خمسة منهم انخرطوا في الحرب ضد «داعش».
وفي خطابه امام الأمم المتحدة، دافع كل من بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني عن بقاء الأسد في السلطة في دمشق، وقال الاثنان ان من الخطأ الإطاحة بالأسد لأن ذلك سيفتح الباب امام المجموعات الإسلامية المتطرّفة للاستيلاء على الحكم في دمشق.
وقبل وليمة الأمين العام بان كي مون، غادر روحاني نيويورك على عجل بداعي المشاركة في الاهتمام بتفاعلات حادثة مقتل حجيج، منهم إيرانيون، في مكة المكرمة الأسبوع الماضي. واعتبر المراقبون الاميركيون مغادرة روحاني بمثابة فرار من نيويورك لتفادي المشاركة في وليمة الأمين العام، وتالياً تفادي لقاء أوباما او الاضطرار لمصافحته وإنْ بطريقة عابرة.
أما بوتين، فكان يتصرف وكأنه ندُّ أوباما. وكانت الأمانة العامة أجلست الرئيسيْن الأميركي والروسي بجوار بعضيْهما البعض على المائدة نفسها. وتبادلا الأنخاب، وبدت بسمة خفيفة على محيا المسؤول الروسي، فيما لم يبادل أوباما بوتين الابتسام وبقي عابساً. وقبل لقاء الرجليْن مساء أول من أمس، على إثر انتهاء خطابات اليوم الأول، لم يبتسم أي منهما وهما يتصافحان امام كاميرات الإعلاميين.
وذكرت مصادر أوروبية لـ «الراي» أن ما وصلها مما دار في حوار الرئيسين هو انه «يبدو ان كلاً منهما يعتقد ان الآخر اتصل به من موقع ضعف. أوباما يعتقد ان قرب انهيار الأسد اجبر بوتين على التورّط عسكرياً في سورية، وأن روسيا تبحث عن مخرج سياسي لتدخّلها العسكري. اما بوتين، حسب المصادر نفسها، فيبدو انه يعتقد ان مشاركته العسكرية في سورية فرضت واقعاً جديداً وقلبت المعايير بشكل اجبر الاميركيين على التراجع، والموافقة على رؤيته لإنهاء الصراع السوري بإبقاء الأسد».
وقال مصدر قريب من اللقاء ان الرجلين اكدا اهمية الاتصالات على المستوى العسكري لتجنب اي نزاعات بين البلدين في المنطقة.
ولفت الى ان بوتين لم ينف امكانية توجيه ضربات روسية ضد التنظيم في سورية، لكنه استبعد ارسال قوات برية لمقاتلة الجهاديين، مشيراً الى رغبته في «تقديم مساعدة اكبر الى الجيش السوري».
وذكر أن الرئيس الروسي وصف اجتماعه مع اوباما بأنه كان «مفيداً جداً وصريحاً»، موضحاً انه انتقد اوباما والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، قائلاً: «اكن احتراماً كبيراً لنظيريْ الاميركي والفرنسي لكنهما ليسا مواطنيْن سورييْن، وعليهما ألا يشاركا في اختيار قادة دولة اخرى».
وكان أوباما قال إنه لا عودة الى سورية ما قبل 2011، في أوضح إشارة الى أن الرئيس الأميركي لا يوافق على بقاء الأسد في الحكم، باستثناء صيغة انتقالية ذات جدول زمني معروف «يحدد تاريخ تسليم الأسد السلطة وخروجه من الحكم، على ان تضمن روسيا» الجدول الزمني. ويكرر المسؤولون الاميركيون ان أي اتفاقية سياسية من هذا النوع ستكفلها روسيا، كما كفلت تنفيذ الأسد اتفاقية نزعه سلاحه الكيماوي العام الماضي.
وتعقيبا على تصريحات بوتين، تحدث اوباما عن «ارادة مشتركة» في ايجاد حلول في مواجهة الحرب في سورية التي ادت الى ازمة هجرة غير مسبوقة. لكنه اشار الى خلاف حقيقي حول نهاية عملية انتقالية سياسية محتملة.
وجدد موقف واشنطن المعروف بأنه يتعين رحيل الاسد وانه لا يوجد مسار الى الاستقرار في سورية التي تمزقها الحرب، مع بقائه في السلطة.
ونقلت المصادر الأوروبية عن مسؤولين اميركيين ان «أوباما لا يعتقد ان بإمكان روسيا قلب الموازين العسكرية في سورية. حتى نقل المعدات العسكرية الروسية الأولية لبناء قاعدة والاستمرار بتزويدها بما تحتاجه عملية معقدة بسبب بعد روسيا عن سورية».
وبعد أسبوع من التصريحات الأميركية والأوروبية التي اشارت الى قبول الغرب شرط بقاء الأسد للقضاء على «داعش»، يبدو ان العواصم الغربية عكست موقفها بشكل كامل. والى الرئيس الأميركي، أطل هولاند ليؤكد ان لا مستقبل للأسد في سورية، وهو كلام يأتي بعد أيام على تصريحات بريطانية مشابهة. وحدها برلين موافقة على الخطة الروسية، وهو موقف ألماني ثابت منذ العام 2011.
وصباح أول من أمس، استعرض أوباما مجدداً التزامه بالديبلوماسية بعقده لقاء مع نظيره الكوبي راؤول كاسترو، وهو الأول من نوعه بين رئيسيْ البلدين منذ أكثر من نصف قرن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق