حسين عبدالحسين
لم يكد المسؤولون الروس يؤكدون نبأ ارسالهم عتادا ومقاتلين الى سوريا، حتى سارعت وسائل الاعلام الموالية لايران الى تقديم تفسير للخطوة الروسية، فوصفتها على انها خطوة تهدف الى اقفال السماء السورية امام المقاتلات الاسرائيلية، التي تشن ضربات ضد اهداف تعود لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، والقوات المتحالفة معه، منذ العام 2011.
والرواية اللبنانية – الايرانية تتفق مع ما دأبت وسائل اعلام طهران و”حزب الله” على تصويره، بالقول ان الضربات الجوية الاسرائيلية غالبا ما تأتي لمساندة قوات المعارضة السورية المسلحة على الأرض السورية. لكن غالبية السوريين والاسرائيليين، الذي يلتزمون الصمت رسميا حول طبيعة واهداف الغارات الجوية، صاروا يعرفون ان اسرائيل تغير على ما تعتقده شحنات اسلحة ايرانية متجهة الى “حزب الله”، خصوصا اذا ما شعرت اسرائيل انها اسلحة متطورة او صواريخ بعيدة المدى.
اما الثغرة الابرز في الرواية اللبنانية – الايرانية، فتتمثل في ان المقاتلات الاسرائيلية قلّما تخترق المجال الجوي السوري، اذ لقرب المسافات بين فلسطين ولبنان وسوريا، يمكن لهذه المقاتلات الطيران فوق البحر الابيض المتوسط او فوق المجال الجوي الاسرائيلي، واصطياد ما ترغب في اصطياده داخل سوريا.
كذلك، يندر ان تخترق المقاتلات الاسرائيلية المجال الجوي السوري، للسبب نفسه الذي طلبت أميركا من الأسد – عبر العراقيين -اطفاء راداراته حتى يتسنى لمقاتلاتها الاغارة ضد اهداف تعود لتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) في شمال وشرق البلاد، اذ ان اجهزة الدفاع السورية، الروسية الصنع، قادرة على اسقاط المقاتلات الاميركية او الاسرائيلية لو ارادت ذلك، كما فعلت ابان اسقاطها مقاتلة اف 16 تركية قبل سنوات.
وحتى تسود أميركا، او اسرائيل، الاجواء، فهي عادة ما تفتتح حربها الجوية ضد اي جيش بتدمير انظمة دفاعه الجوية، بما في ذلك الرادارات المدنية، مثلما فعلت اسرائيل ابان حرب 2006، عندما دمرت كل رادارات الجيش اللبناني المنصوبة على الساحل بعدما زود الجيش “حزب الله” باحداثيات السفينة الحربية ساعر، فقصفها الحزب وعطلها واخرجها من الحرب.
لكن في حالة الأسد، هناك قرار أميركي واسرائيلي واضح بعدم تدمير قدراته العسكرية، بما في ذلك انظمة دفاعه الجوية، ما يعني ان اي غارات اميركية او اسرائيلية تحصل اما بتنسيق غير مباشر مع الأسد، في حالة الاميركيين، او بالتحايل على انظمة الدفاع السورية وشن غارات من دون دخول المجال الجوي السوري، في حالة الاسرائيليين.
اذا، المجال الحوي السوري شبه مغلق امام المقاتلات الاميركية والاسرائيلية، المجبرة على تدمير دفاعات الاسد الجوية لو ارادت الاغارة بشكل مستمر اوتقديم اسناد جوي لاي طرف مقاتل على الارض، حسبما تزعم وسائل اعلام ايران، وهو ما يعني ان الرواية القائلة بأن التعزيزات الروسية الى سوريا لا ترتبط بالغارات الاسرائيلية ضد اهداف الأسد.
ثم ان روسيا قامت للتو بشراء عشر طائرات من دون طيار “درون” اسرائيلية الصنع، ولو كان الوضع العسكري بين الاثنين متوترا، حسب زعم وسائل اعلام ايران، لتعذر بيع اسرائيل لروسيا تقنية عسكرية من اي نوع.
اما التفسير الارجح لخطوة روسيا بارسال عتاد واسلحة ومستشارين الى الأسد لتعزيز صفوف قواته واعادة بناء قدراتها فهو ما يتردد في اروقة القرار الاميركية، اذ تعتقد واشنطن ان موسكو مذعورة من امكانية ان تؤدي الاتفاقية النووية مع ايران، والتحسن في العلاقات الاميركية – الايرانية، الى التوصل لاتفاق تسوية سلمية يطيح بالأسد. ولطالما كرر الاميركيون انهم ابلغوا الايرانيين موافقتهم على منح ايران اليد العليا في سوريا، مقابل الاطاحة بالأسد. وقال الاميركيون ان الايرانيين يقبلون بتسوية من هذا النوع، لكنهم ينتظرون التوقيت المناسب.
موسكو هي اول من تنبهت للمؤشرات الاميركية والايرانية، ورأت ان رحيل الأسد عن سوريا يعني زوال نفوذ روسيا، خصوصا ان قوات الأسد باتت ضعيفة الى حد يجعلها معتمدة تماما على القوة الايرانية المتمثلة بـ “حزب الله” اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية المقاتلة داخل سوريا.
هكذا قررت موسكو اعادة بناء الأسد للمحافظة على حصة لها في حال حصول تسوية اميركية – ايرانية في سوريا. بكلام آخر، تعزيرات موسكو للأسد لا تستهدف اسرائيل، بل تستهدف ايران، وتهدف الى تقليص اعتماد الاسد على ايران و”حزب الله” الى أكبر حد ممكن، وهذا كلام لا يروق لطهران ولا لحلفائها الذين خسروا الاف المقاتلين حتى الآن للدفاع عن بقاء الأسد ونظامه. لهذا سارعت وسائل الاعلام اللبنانية – الايرانية الى تقديم سيناريو خيالي حول التعزيزات الروسية، وهي رواية، كمثل غالبية روايات هذه الوسائل الاعلامية، تخالف المنطق، وغالبا ما تكون من نسج الخيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق