الأربعاء، 18 يناير 2017

حرب ترامب على “الاخوان”

حسين عبدالحسين

في اسبوع حافل بجلسات الاستماع في الكونغرس للمصادقة على تعيينات الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، بما فيها في الخارجية والدفاع والعدل و”وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، لم يدل مسؤولو ترامب بأي جديد في السياسة الخارجية، حتى انهم بدوا اكثر اعتدالا واتزانا من رئيسهم، ووعدوا باحترام القوانين المحلية والدولية، ومنع التعذيب بحق اي معتقلين اجانب، ومواجهة روسيا، والالتزام بالاتفاقية النووية مع ايران. لكن صوتا واحدا خرج عن المألوف، عندما اضاف وزير الخارجية المعيّن ريكس تيلرسون “الاخوان المسلمين” الى تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، وهي التنظيمات الارهابية التي تتصدر اولويات سياسة ترامب الخارجية، حسب وزيره.
وتنظيم ”الاخوان المسلمين” ليس مدرجا على قائمة “التنظيمات الارهابية”، التي تعتمدها وزارة الخارجية الاميركية، ورمي تيلرسون اسم “الاخوان” الى جانب القاعدة وداعش خارج عن المألوف، بل خارج على القانون، اذ انه لا يمكن لادارة ترامب فرض اي عقوبات على مسؤولي هذا التنظيم، او اعتقالهم على الاراضي الاميركية، ما لم تتم اضافة “الاخوان” اولا الى قائمة وزارة الخارجية.
والقائمة الاميركية حول “التنظيمات الارهابية” ليست عشوائية، بل ان اضافة اي تنظيمات اليها او رفعها منها تحتاج الى عملية ادارية تمرّ في الغالب بأربع او خمس وكالات حكومية فيدرالية، منها وزارات العدل والخزانة والخارجية.
لماذا، اذن، اضاف تيلرسون “الاخوان المسلمين” الى المجموعات الارهابية من دون مسوّغ قانوني؟ 
الاجابات متعددة، تتصدرها حاجة ترامب الى اعداء، اذ ان الرئيس الاميركي المقبل يكاد ينفد ممن يلقي باللائمة عليهم لاخفاء عوراته، وهو في مؤتمره الصحافي الاخير ذكر اسم منافسته الديموقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون ثلاث مرات، على الرغم ان كلينتون اعتزلت العمل العام.
ويحتاج ترامب وتيلرسون الى تقديم “مصالح مشتركة” بين الولايات المتحدة وروسيا لتبرير الصداقة الجديدة المتوقعة بين الحكومتين. ويسعى تيلرسون جاهدا الى اظهار روسيا صديقة حتى يتسنى له رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وتيلرسون كان من اكثر المحبطين، يوم أعلن الرئيس باراك أوباما عقوبات على موسكو، لأن العقوبات اوقفت احدى اكبر الصفقات في العالم بين شركة اكسون الاميركية العملاقة للطاقة، التي كان تيلرسون رئيسها التنفيذي، وشركة روسنفت التابعة للحكومة الروسية. وبموجب الصفقة، تسدد اكسون نصف تريليون دولار لموسكو، وهو ما يمثل قرابة نصف حجم الاقتصاد الروسي، وتمنح روسيا اكسون حق التنقيب واستخراج الطاقة في ٦٣٠ الف كيلومتر مربع من الاراضي الروسية (ما يعادل مساحة فرنسا). 
ولأن روسيا ستنقلب من عدوة الى صديقة، كان لا بد من استنباط عدو بديل للولايات المتحدة يلتف الاميركيون حول قيادتهم في مواجهته. ولأن داعش شبه منهار، والقاعدة في وضع اسوأ من داعش، كان لا بد من العثور على عدو جديد، فرمى تيلرسون باسم “الاخوان المسلمين” في خطابه امام الكونغرس. 
واستخدام “الاخوان”، او الاسلام عموما، كفزاعة للأميركيين، أمر مربح لترامب، الذي غالبا ما يتلاعب على خوف الاميركيين غير المبرر من الدين الاسلامي، ومن “فرض الشريعة” في الولايات المتحدة واوروبا. وتبلغ أمية الاميركيين حول الاسلام وشؤونه ان استخدم احد المواقع اليمينية، عن غير قصد، اسم المغنية شاكيرا، في معرض نص تحدث فيه عن الشريعة.
ومن الاسباب التي دفعت تيلرسون الى اقحام “الاخوان” في لائحة اعداء أميركا محاولات ترامب المستميتة، وغير المسبوقة في تاريخ الرؤساء الاميركيين، في التحبب الى اليمين الاسرائيلي، لا اسرائيل فحسب. من قبيل ذلك، أعلن ترامب نيته نقل سفارة أميركا من تل ابيب الى القدس. وفي السياق نفسه، أدرج تيلرسون “الاخوان المسلمين” في لائحة الاعداء، اذ ان ذلك يوسع دائرة “التنظيم الأم” لحركة حماس الفلسطينية، وهو ما يسعد اسرائيل. كما من شأن اعلان “الاخوان” عدواً فتح باب محاسبة بعض الجمعيات التابعة للمسلمين الاميركيين، مثل كير، التي دأب اليمين الاميركي على توجيه تهمة “الاخوان” اليها.
وممن طالتهم تهمة “الاخوان” كلينتون نفسها، التي تربط نظريات المؤامرة الاميركية بين مساعدتها هوما عابدين، ذات الجذور الباكستانية، وبين “الاخوان”.
حتى الأمس القريب، كان استخدام اليمين الاميركي واصدقاء اسرائيل لاسم “الاخوان” من باب التهريج السياسي والاخبار الزائفة. مع ترامب وتيلرسون، اصبح الاخوان في صلب الحروب الاميركية المقبلة، على الرغم من غياب صلاحية الوزير في القيام باعلان من هذا النوع. ولكن في زمن ترامب، من يسأل عن الصلاحيات او القوانين اصلا؟

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008