| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
لا تتوقف المفاجآت السياسية التي يفجرها الرئيس المنتخب دونالد ترامب ولا تنقطع، وكان آخرها توجيهه سهام نقده الحاد الى اجهزة الاستخبارات الاميركية، على خلفية اتهامها موسكو برعاية اختراق حسابات الكترونية أميركية ونشر مضمونها، ما ساهم في فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
ويرفض ترامب تلقي التقرير الشفهي اليومي الذي تقدمه الاستخبارات الاميركية تقليديا للرؤساء والرؤساء المنتخبين، وهو عمد - عبر تغريداته على «تويتر» - على تشويه صورة اجهزة الاستخبارات الاميركية بالقول انها غالبا ما تتوصل الى استنتاجات خاطئة، مثل اصرارها على وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين، وهو استنتاج ثبت خطأه.
على ان الانقسام بين ترامب وصحبه، من ناحية، والاستخبارات الاميركية والحزبين الجمهوري والديموقراطي، من ناحية ثانية، بلغ ذروته بعدما قام الاعلامي في شبكة «فوكس نيوز» اليمينية شون هانيتي، وهو من اكثر المقربين الى ترامب، ببث لقاء كان اجراه مع صاحب موقع «ويكيليكس» جوليان اسانج، الذي نفى اتهامات الاستخبارات الاميركية بأنه حصل من الروس على الرسائل الالكترونية المسروقة، خصوصا التابعة لمسؤولين في الحزب الديموقراطي المعارض لترامب ومن قادة حملة المرشحة السابقة هيلاري كلينتون. وقال اسانج انه يمكن لأي صبي يبلغ 14 عاما من العمر ان يخترق البريد الالكتروني لقادة الديموقراطي الاميركيين.
وفور بث اللقاء، غرّد ترامب مكررا اقوال اسانج، المطلوب اميركيا بتهم سرقة اسرار حكومية وتقويض الامن القومي للولايات المتحدة. واشار ترامب الى قول اسانج انه لم يتسلم ما نشره عبر موقع «ويكيليكس» من الروس، فبدا الرئيس المنتخب وكأنه يصدق اسانج ولا يصدق اجهزة الاستخبارات الاميركية.
ولم يكتف ترامب بالانحياز لمصلحة اسانج ضد اجهزة الحكومة التي سيترأسها في غضون اسبوعين، بل أطلق تغريدة سخر فيها من الاستخبارات الاميركية، وقال فيها ان الجلسة التي وعدته بها اجهزة الاستخبارات لتقديم دلائلها على التدخل الروسي الالكتروني في الانتخابات الاميركية كانت مقررة الثلاثاء، وتم تأجيلها حتى يوم الجمعة، «ربما حتى يتسنى لهم (الاستخبارات) اعداد القضية».
وعلى الفور، ردت مصادر الاستخبارات الاميركية بنفي ان الجلسة كانت مقررة الثلاثاء، بل يوم الجمعة، وذلك حسب طلب الفريق الانتقالي التابع للرئيس المنتخب.
واثارت تصرفات ترامب وتصريحاته حفيظة الجمهوريين، حتى قبل الديموقراطيين، اذ ان الحزب الجمهوري هو الحزب ذات التأييد الاعمى والمطلق عادة للعسكر والاستخبارات، وهو ما يبدو جليا في ادارة ترامب التي عين فيها ثلاثة جنرالات في ارفع المناصب.
وحاول رئيس الكونغرس الجمهوري بول ريان تفادي الاصطدام المباشر مع الرئيس المنتخب ترامب، لكنه سدد سهام نقده الى اسانج. وقال ريان: «اعتقد ان الرجل (اسانج) متملق ذليل للروس، وهو يقوم بالتسريب، وهو يسرق البيانات ويعرّض امننا القومي للخطر».
بدوره، لم يتأخر الحزب الديموقراطي عن تحذير ترامب من مغبة المضي في سياسة المواجهة مع الاستخبارات الاميركية. وقال الزعيم الجديد للأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور عن ولاية نيويورك تشاك شومر ان لا مصلحة لأي أميركي، من أقصى اليمين المحافظ الى أقصى اليسار التقدمي، زعزعة الاستخبارات الاميركية، لأنها عماد الأمن الاميركي وحماية المواطنين من المخاطر. وقال شومر، عبر برنامج رايتشل مادو عبر شبكة «ام اس ان بي سي» الليبيرالية، انه يتمتع بصداقة مع ترامب بحكم ان الاثنين يتحدران من مدينة نيويورك. وقال ايضا انه تحادث مرات عدة مع ترامب منذ انتخابه وحذره من الغرق في مستنقع اليمين المتشدد.
وختم شومر بالقول انه لا يفهم غاية ترامب من الهجوم ضد اجهزة الاستخبارات الاميركية، ملمحا ان هذه الاجهزة قد ترتد على الرئيس المقبل. وعندما سألت مادو كيف يمكن للاستخبارات الانتقام من ترامب، رد شومر انه لا يعرف كيف، ولكنه احتمال قائم.
وكان الخبراء الاميركيون اجروا مقارنة بين الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو الوحيد الذي استقال في تاريخ الولايات المتحدة في العام 1974 بعد ثبوت تورطه في فضيحة «ووتر غايت»، وترامب، واعتبروا انه مثل ترامب، كان نيكسون الوحيد من الرؤساء ممن شككوا في مصداقية الاستخبارات الاميركية حتى قبل دخوله البيت الابيض. واعتبر الخبراء ان ترامب ونيكسون يتشابهان في التآمر مع قوى خارجية ضد اعدائهم داخل الولايات المتحدة، من قبيل حث نيكسون الفيتناميين الجنوبيين على مواصلة الحرب لاحراج منافسه المرشح الديموقراطي الى الرئاسة، ووعدهم بنتائج افضل في حال وصوله للرئاسة.
وكان نيكسون اجبر على الاستقالة بسبب تورطه في ارسال فريق سري عمد على دخول مكتب الحزب الديموقراطي في مبنى «ووتر غايت» من اجل التجسس على الديموقراطيين ابان انتخابات العام 1972، وكشفت الحادثة صحيفة «واشنطن بوست»، التى رفضت عبر السنوات الافصاح عن مصدرها، واكتفت باطلاق تسمية «الصدر العميق» عليه. وفي العام 2005، اعترف نائب مدير «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) السابق مارك فتلر انه هو «الصدر العميق» الذي سرب خبر «ووترغايت» الى «واشنطن بوست»، وهو ما ادى الى اخراج نيكسون من البيت الابيض. وتوفي فتلر العام 2008 عن 95 عاما. اليوم تعاني «اف بي آي» واجهزة الاستخبارات الحالية من هجوم ترامب ضدها، فهل يخرج فتلر آخر يطيح بترامب ورئاسته؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق