| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
أصبح دونالد ترامب رسمياً رئيس الولايات المتحدة - على وقع تظاهرات عنيفة مناهضة لتنصيبه في وسط واشنطن- وحان موعد تحويل حملته المليئة بالوعود الضخمة إلى حقيقة.
كان ترامب من أكثر المرشحين الرئاسيين في التاريخ الأميركي ممن قدموا وعوداً، في ظلّ حملة انتخابية خالية من التفاصيل حول السياسات المطلوبة لتنفيذ هذه الوعود.
عند الامتحان الأول، تحققت المخاوف وفشل ترامب، فالعملية الانتقالية التي أدارها بدت أنها الأسوأ في تاريخ تعاقب الإدارات، إذ أنفق ترامب وقته في «جولة النصر»، وهي سلسلة من الإطلالات الخطابية أمام جماهير حاشدة لشكرها على انتخابه، في وقت غرق فريقه في تصفية حسابات شخصية، فطرد صهره جارد كوشنر، الرجل الأقوى في فريق ترامب، رئيس الفريق الانتقالي ومحافظ ولاية نيوجيرسي كريس كريستي بسبب ثأر قديم، وبدت عملية تشكيل إدارة ترامب تتهاوى، ثم سمى ترامب سلسلة من أصحاب الملايين والمليارات وزراء، ما جعل المصادقة على تعيينهم، حتى في الكونغرس ذات الغالبية الجمهورية الموالية للرئيس الجديد، معقدة، بسبب تضارب في المصالح، وانتظار الهيئات المعنية براءات ذمة مالية من الوزراء قبل تثبيتهم.
ولأن معارف ترامب السياسية تنحصر في أفراد عائلته، والمقربين منه، وحفنة من أصحاب الثروات، لم يجد ترامب من يعينهم في مناصب ما دون وزير.
كذلك، بسبب النكايات التي تشغل بال ترامب، فهو وضع مجموعة كبيرة من الجمهوريين المتخصصين في السياسات الأمنية والخارجية على لائحته السوداء، لأنهم عارضوا ترشيحه أثناء الحملة الانتخابية. هكذا، يدخل ترامب البيت الأبيض مع وزيرين فقط، وهو أقل عدد من الوزراء منذ إدارة هاري ترومان العام 1947.
وبسبب تعذر المصادقة على تعيين وزير الخارجية ريكس تيلرسون، أصبحت أميركا، للمرة الأولى منذ عقود، في عهد وزير للخارجية بالوكالة هو وكيل الوزير توماس شانون، الذي عينه سلفه باراك أوباما في منصبه قبل سنوات.
وهكذا، اقتصرت «الخطة السرية» الجهنمية، التي لطالما وعد بها ترامب للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، على إبقاء ترامب على رجل أوباما بيرت ماكغيرك، المولج قيادة التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، في منصبه. وإلى ماكغيرك، أبقى ترامب على 55 من أرفع مسؤولي أوباما في مناصب وكيل وزير وما دون، بسبب فشل فريق ترامب الانتقالي في تجنيد كفاءات، أو الحصول على الموافقات الأمنية المطلوبة لمن جندهم قبل تعيينهم في مناصبهم الحساسة.
وهكذا، بدت خطابات ترامب، عشية تسلمه السلطة، فارغة من أي محتوى، فهو أطلّ أمام مناصريه ليطلق خطابات خاوية وخالية من أي سياسات أو تفاصيل، وأدلى بتصريحات هامشية، مثل قوله إن حكومته «هي صاحبة أعلى مستوى ذكاء (آي كيو) في التاريخ». وبسبب غياب أي رؤية لدى ترامب، كان لا بد من العودة إلى حديثه المفضل عن الانتخابات، فراح يتذكر كيف راهن الجميع ضده، وكيف فاز هو، وراح يتوجه بالشكر لمن سانده، وكأن الانتخابات جرت أمس.
وكان ترامب أطلق قبل أيام صورة أظهرته جالساً على مكتب وبيده قلم ودفتر، قال إنه كان يكتب خطاب القسم الذي أدلى به أمس، إلا أن الصورة أظهرت أن القلم عبارة عن قلم تخطيط عريض، وأن الدفتر غير مستخدم. أما المكتب، فهو قاعة الاستقبال في نادي الغولف الخاص به في ولاية فلوريدا الجنوبية. وأثارت الصورة تهكم معظم الأميركيين.
وفيما دخل ترامب لتلقي الشيفرة النووية في «بلير هاوس»، المقابل للبيت الأبيض والذي يستقبل عادة فيه الرؤساء الأميركيون ضيوفهم من حكام الدول، كان معارضوه يكملون ليلة حامية من التظاهرات المعارضة لرئاسته، والتي شهدت، للمرة الأولى في واشنطن منذ أكثر من عقدين، قيام الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وفتح الطرقات المؤدية إلى موقع احتفال التسلم والتسليم.
«أميركا تدخل المجهول»، عنونت صحيفة «بوليتيكو» صباح يوم التسلم والتسليم، في انتظار كيف سيتعايش الأميركيون مع أربع سنوات مع رئيس ما زال كثيرون منهم يصرّون حتى اليوم أنه، وحكمه، ليس أكثر من دعابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق