| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
فيما يحاول مسؤولو الادارة الاميركية المقبلة تصوير تعاونهم المتوقع مع روسيا على ان هدفه القضاء على عدو مشترك، هو «المجموعات الاسلامية المتطرفة»، خرجت الى العلن تقارير تشير الى ان حقوق اكتشاف واستخراج النفط الروسي، التي منحتها موسكو لشركة النفط الاميركية العملاقة «اكسون»، هي الدافع الرئيسي للتقارب الحاصل بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الاميركي المنتخب دونالد ترامب.
وتشير التقارير الاميركية إلى ان «اكسون» وعدت روسيا بنصف تريليون دولار، وهو مبلغ يوازي نحو نصف حجم الاقتصاد الروسي البالغ 1,2 تريليون دولار، مقابل منح روسيا الشركة الاميركية حقوق التنقيب والاستخراج في 630 الف كيلومتر مربع، وهو ما يعادل مساحة فرنسا تقريبا، وهو ما يعادل اربعة اضعاف ونصف المساحة المسموح لـ «اكسون» التنقيب فيها في الاراضي الاميركية.
والمساحات الروسية المتوقع ان يتم التنقيب عن الطاقة فيها كانت بمعظمها متجمدة، وبعضها قريب جدا من القطب المتجمد الشمالي، ولكن اليابسة انكشفت فيها أخيرا بسبب الارتفاع في معدل درجات حرارة الارض. كما تتمتع شركة «اكسون» بتقنيات حديثة وعالية الجودة تفتقر اليها الحكومة الروسية، التي تملك شركات الطاقة الوطنية.
هذا التعاون بين اكسون ورئيسها التنفيذي السابق وزير الخارجية المقبل ريكس تيليرسون، وروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، ادى الى قيام صداقة بين الاثنين، بالتزامن مع الصداقة التي نشأت بين بوتين ومستشار الأمن القومي المقبل مايكل فلين، الذي تقاضى مبالغ مالية كبيرة من موسكو مقابل قيامه بحملات «علاقات عامة» (لوبي) لمصلحة روسيا داخل العاصمة الاميركية.
ويقول متابعو العملية الانتقالية بين ادارتي الرئيس باراك أوباما وترامب، ان فلين هو الذي اقترح تيليرسون على ترامب، فيما يعتقد آخرون ان صاحب الاقتراح هو وزير الدفاع السابق روبرت غايتس. ولكن كيفما اتفق، فالواضح ان صفقة النفط بين «اكسون» وموسكو كانت جارية على قدم وساق، قبل ان يجتاح بوتين شبه جزيرة القرم الاوكرانية في مارس 2014 ويعلن ضمّها، وهو ما دفع واشنطن الى فرض عقوبات اقتصادية على بوتين والمسؤولين في نظامه، فتعطلت الصفقة بانتظار قيام ترامب - تيليرسون برفع العقوبات.
وتقول مصادر ديبلوماسية اميركية ان احد اسباب تلكؤ أوباما في ابداء موقف صارم تجاه روسيا، على اثر اجتياح الاخيرة القرم، وتردد واشنطن في فرض عقوبات على بوتين وصحبه، يعود الى حملة «اللوبي» الشرسة التي شنتها اكسون داخل واشنطن، وهي حملة أرخت بظلالها على جلسة الاستماع التي عقدتها «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ، الاسبوع الماضي، للمصادقة على تعيين تيليرسون وزيرا للخارجية.
في الجلسة، سأل رئيس اللجنة السناتور الجمهوري بوب كوركر تيليرسون حول قيامه بنشاط لوبي من اجل ثني واشنطن عن فرض عقوبات على موسكو، فنفى تيليرسون قيامه بذلك نفيا قاطعا، ليرد عليه كوركر بالقول: «ألا تتذكر يا ريكس انك اتصلت بي وطلبت مني العمل ضد العقوبات»؟
النفط الروسي هو الدافع الرئيسي خلف الشهية الاميركية لتحسين العلاقة مع بوتين. في الماضي، كانت القوى الغربية تسعى الى الطاقة التي يمكن استخراجها بتكاليف زهيدة، مثل العراق وايران ودول الخليج. اما اليوم، مع التحسن الكبير في التكنولوجيا، صارت صعوبة استخراج النفط والغاز زهيدة ايضا، وهو ما حوّل انظار الساعين خلف الطاقة من الاميركيين من اماكن تعاني من اضطرابات جيو استراتيجية، مثل الخليج والعراق وايران ونيجيريا وليبيا، الى مناطق تتمتع بالاستقرار الامني، مثل القطب الشمالي وروسيا.
لكن الطمع بالنفط ليس سياسة يمكن التباهي بها امام الاميركيين، وهو ما يدفع ترامب ومجموعته الروسية، تيليرسون وفلين، الى محاولة اخفاء الحب الاميركي المستجد تجاه روسيا خلف عناوين سياسية، تتصدرها الحرب على الارهاب، التي اعلنها تيليرسون في جلسة الاستماع التي كانت مخصصة للمصادقة على تعيينه، وتليها شؤون أقل اهمية ولكنها شعبوية وتحرّك المجموعات المتطرفة، مثل «التحالف المسيحي» اليميني الذي يسعى الى هندسته مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية وناشر موقع برايتبارت ستيفن بانون. والأخير يرى في تحالف ترامب - واليمين البريطاني المنفصل عن اوروبا، واضافة بوتين والحكومات الاوروبية التي قد تنقلب يمينية، كما في المانيا وفرنسا هذا العام، امكانية قيام تحالف يميني مسيحي يمكنه اعادة الغرب الى سابق عهده وقوته، ومواجهة الخطر الاكبر الذي يتهدده، اي المسلمين، مجموعات ارهابية ام لاجئين في اوروبا وأميركا.
هذه النظريات الجيو استراتيجية غالبا ما تبدو جهنمية في مطلع الأمر، ولكنها ما تلبث ان تنقلب على اصحابها، وهو بالضبط ما حدث لـ «المحافظين الجدد»، الذين ركضوا خلف نفط العراق واخفوا سعيهم خلف نشر الديموقراطية. لكن «اكسون»، التي فازت بعقد استخراج وبيع نفط حقل مجنون، اكبر الحقوق النفطية العراقية، كانت اول من تخلى عن الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة العراقية لأن تكلفة الاستخراج المترافقة مع الامن المهزوز جاءت عالية جدا.
كما في العراق، قد يخبئ المستقبل مفاجآت تعطل الخطة الاصلية لترامب وبوتين وصحبهما، فلا يتم استخراج النفط، ولا يقوم التحالف المسيحي العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق