| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
لوزير الدفاع الجديد الجنرال جايمس ماتيس ثأر شخصي ضد الإيرانيينوكأن عقارب الساعة عادت الى العام 2006، يوم تصاعد الحديث في واشنطن حول امكانية توجيه ضربة عسكرية أميركية الى المنشآت النووية الايرانية. يومذاك قدم الخبراء سيناريوات متعددة حول شكل الضربة الاميركية، بما في ذلك امكانية قيام القاذفات الاستراتيجية الاميركية بتدمير أكثر من عشرات الاهداف الايرانية في وقت واحد، وراحت المصادر تشير الى ان القوة الجوية الاميركية تلمّع قاذفات «ب-٥٢»، المركونة في جزيرة غوام النائية في المحيط الهادئ.
اليوم، مع اقتراب خروج ادارة الرئيس باراك أوباما من الحكم، يعود الحديث عن امكانية حصول مواجهة عسكرية، من نوع او آخر، بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية في ايران. اما ابرز الاسباب التي تدفع كثيرين للاعتقاد ان التوتر بين الدولتين سيتصاعد، فيتصدرها اقفال خط التواصل المفتوح بين العاصمتين منذ ثلاث سنوات على الأقل، أي منذ أسس وزيرا خارجية الدولتين جون كيري وجواد ظريف قناة اتصال دائمة بينهما عبر البريد الالكتروني.
ويشير المسؤولون الخارجون من الحكومة الاميركية ان قنوات الاتصال المفتوحة بين واشنطن وطهران سمحت بتفادي التصعيد في حالات متعددة، مثل رد «حزب الله» اللبناني على الغارة الجوية الاسرائيلية على القنيطرة السورية، في يناير 2015، والتي أدت الى مقتل خمسة من عناصره وضابط ايراني. ورد «حزب الله» باطلاق صواريخ أدت الى مقتل جنديين اسرائيليين، لكن اسرائيل لم تردّ لتفادي المزيد من التصعيد. ويردد المسؤولون الاميركيون ان «قناة واشنطن طهران» ساهمت في تحديد حدود الرد، ومنعت تفاقم الوضع نحو مواجهة مفتوحة بين الحزب اللبناني والدولة العبرية.
كذلك ساهمت القناة الاميركية الايرانية في تفادي تطور الاحداث نحو مواجهة على اثر قيام الايرانيين باحتجاز عشرة من البحارة الاميركيين ممن كانوا يبحرون من الكويت الى البحرين، في يناير الماضي. ولعبت اتصالات كيري بظريف دورا محوريا في منع تفاقم الازمة وسرعة الافراج عن المعتقلين الاميركيين.
على ان اغلاق قناة اتصال كيري - ظريف لن تكون المشكلة الوحيدة الناجمة عن تغير الفريق الحاكم في واشنطن، فتنفيذ ومراقبة الاتفاقية النووية، التي وقعتها ايران والمجتمع الدولي صيف العام 2015 ودخلت حيز التنفيذ مطلع العام الماضي، يتطلب متابعة من الحكومة الاميركية المقبلة، وهو ما يبدو أمرا عسيرا بالنسبة لادارة ترامب.
وكانت واشنطن والعواصم الغربية سلمت ايران، هذا الاسبوع، 116 طنا من اليورانيوم المنخفض التخصيب، لابدالها بيورانيوم عالي التخصيب من مخلفات البرنامج النووي الايراني. وعلى الفور، اعترضت مجموعات الحزب الجمهوري واصدقاء اسرائيل الاميركيين على تسليم الغرب طهران «ما يكفي لصناعة اكثر من 10 قنابل نووية»، على حد زعمهم.
وتشير الاتفاقية النووية مع ايران الى انه يمكن للجمهورية الاسلامية تخزين 130 طنا من اليورانيوم المنخفض التخصيب، الذي يمكن استخدامه لاغراض الابحاث الطبية وتوليد الطاقة. وهذا النوع من اليورانيوم لا يمكن رفع نسبة تخصيبه من دون عملية معقدة. الا ان اصدقاء اسرائيل يستغلون تسليم الغرب ايران هذه الكمية من اليورانيوم لمهاجمة الاتفاقية النووية، التي يتهمون ادارة أوباما بابرامها في مصلحة طهران.
وفي سياق مشابه، تشير الاتفاقية الى ان المجتمع الدولي يبتاع أي فائض من اليورانيوم الايراني المخصب، الذي يتم شحنه خارج ايران. وقامت المجموعة الدولية بشراء يورانيوم بنحو 9 ملايين دولار من الايرانيين، وهو ما دفع معارضي الاتفاقية الى اعتبار انه «يمكن لايران ان تغنى من تخصيب اليورانيوم، على عكس الارادة الدولية، ثم بيعه للعالم».
هذه النقمة الاميركية - الاسرائيلية المستمرة تنذر بامكانية عرقلة تنفيذ وتطبيق الاتفاقية النووية مع ايران، وهو ان حصل، ينذر بامكانية انهيار الاتفاقية وعودة ايران الى التخصيب، فعودة الوضع بين ايران والعالم، خصوصا أميركا، الى التأزم والتصعيد.
ختاما، من العوامل التي يرجح المعنيون الاميركيون انها قد تساهم في تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وايران هي وصول الجنرال جايمس ماتيس الى وزارة الدفاع (البنتاغون). ويعتقد البعض ان لماتيس ثأرا شخصيا ضد الايرانيين بسبب فقدانه لعدد من اصدقائه في التفجير الذي تعرض له مقرّ المارينز في بيروت في العام 1983. ويعتقد الاميركيون ان مجموعات موالية لايران كانت مسؤولة عن هذا الهجوم.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا مطولا عن وزير الدفاع الاميركي جاء فيه انه اثناء عمله قائدا للمنطقة الوسطى للجيش الاميركي، وبسبب الهجمات التي قامت بها ايران والميليشيات الموالية لها في العراق ضد قوات ماتيس، قدّم الأخير خطة تقضي بقيام الولايات المتحدة بهجوم جوي مفاجئ ضد اهداف داخل الاراضي الايرانية، انتقاما من الايرانيين، وبهدف حملهم على وقف تنظيم ودعم الهجمات في العراق، والتي يعتقد المسؤولون الاميركيون انها أدت الى مقتل الف من اربعة الاف جندي أميركي قضوا في العراق.
كذلك تضمنت الخطط، التي قدمها ماتيس الى البيت الابيض، ضربات استباقية ضد زوارق «الحرس الثوري الايراني» السريعة لمنع الايرانيين من اقفال مضيق هرمز. ويعتقد الاميركيون ان ايران سترسل هذه الزوارق لرمي الالغام البحرية في المضيق وعرقلة حركة ناقلات النفط الخارجة من الخليج، وهو ما سيجبر أميركا على اعادة فتحه، وهي عملية ستتطلب ثلاثة اسابيع وستكلف قتلى اميركيين. لذا، اقترح ماتيس ضرب الزوارق الايرانية في اللحظة التي يرصد الاميركيون حركة ايرانية لوضع الالغام البحرية على متنها، وهي ضربة من شأنها ان توسع دائرة المواجهات بين الدولتين، خصوصا في ظل غياب قناة اتصال بينهما.
وكانت سفن اميركية تبحر في الخليج أطلقت ثلاثة عيارات نارية من مدفع رشاش، في وقت سابق من هذا الاسبوع، لاجبار زوارق ايرانية متوجهة صوبها على الابتعاد.
لكل هذه الاسباب، وبسبب العدوانية الشديدة التي يظهرها الرئيس المنتخب دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين لايران وللحركات الاسلامية عموما، عاد الحديث عن امكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وايران ليستبدل سنوات من التهدئة التي عمل أوباما على التوصل اليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق