| لندن - من حسين عبدالحسين |
لا شيء يعكس ارتباك العلاقة البريطانية - الاميركية أكثر من محاولة كبار المسؤولين في لندن الاستفسار من صحافيين اميركيين عن سياسة واشنطن وما تريده، فبدلا من ان يجيب المسؤولون البريطانيون عن موقف بلادهم حول القضايا الدولية المتعددة، وكيفية اتخاذ هذه المواقف بالتنسيق مع الولايات المتحدة، شريكة المملكة المتحدة الاولى على المسرح الدولي تاريخيا، يقول البريطانيون انه بعد ستة أشهر على انتخاب الرئيس دونالد ترامب، لا تزال لندن غارقة في حيرة حول كيفية التعامل معه ومع ادارته.
ويضيف المسؤولون البريطانيون انهم استبشروا خيرا يوم انتخاب ترامب، واعتقدوا ان العلاقات الشخصية الجيدة بين عدد كبير من اعضاء حكومة وفريق تيريزا ماي والرئيس الاميركي ستساهم في دفع العلاقة بين البلدين الى افضل حالاتها.
الا ان واقع العلاقة البريطانية - الاميركية جاء معاكسا لما تمنته لندن، ففريق ترامب، حسب المصادر البريطانية، مرتبك، وغالبا ما يتخذ مواقف متضاربة.
وتقول المصادر: «نسأل الخارجية الاميركية عن موقف واشنطن في موضوع ما، فنحصل على اجابة، وصباح اليوم التالي، نقرأ تغريدة من الرئيس الاميركي تناقض ما سبق ان سمعناه من الديبلوماسيين الاميركيين، وفي اليوم الثالث، يطلّ الناطق باسم البيت الابيض بموقف ثالث مغاير تماما، وهكذا دواليك».
اولى المشاكل بين البريطانيين والاميركيين بدأت في الملف الايراني، فالرئيس السابق باراك أوباما كان يعمل بأقصى طاقته لاعادة اللحمة تجاريا مع الايرانيين، وراحت شركات العالم، الغربية والآسيوية والروسية، تتسابق لاقتناص عقود تطوير قطاعي النفط والغاز الايرانيين والتصدير الى طهران صناعات متطورة، خصوصا في حقلي الطيران المدني والمعدات الثقيلة.
وفعلا، وقعت شركتي «توتال» الفرنسية وشل الهولندية عقدين مع طهران بلغت قيمتيهما 5 و3 مليارات دولار على التوالي. وكانت شركة «بي بي» البريطانية للطاقة تأمل بدورها في اقتناص عقود ايرانية، الا ان التصعيد الذي شنه ترامب وادارته ضد طهران اقنع «بي بي» بالتريث، خصوصا ان المساهمين الاميركيين يملكون 40 في المئة من الشركة البريطانية، التي يديرها مدير أميركي ويشكل الاميركيون 30 في المئة من كادرها، وهو ما يعني ان امكانية اختراقها لاي عقوبات اميركية جديدة ضد ايران يعرّضها الى مشاكل اكبر من تلك التي قد تواجهها نظيراتها الاروبية او الأسيوية.
ويقول البريطانيون: «فيما نحن نحجم عن توقيع الاتفاقيات التي نحتاجها لاقتصادنا، خصوصا بعد قرارنا الخروج من الاتحاد الاوروبي، وقعت شركة بوينغ الاميركية عقدا بلغ 3.3 مليار دولار مع شركة اسمان الايرانية للطيران، اثناء وجود ترامب في الرئاسة، ليبلغ مجموع اجمالي عقود بوينغ مع ايران نحو 23 مليار دولار».
وما يزيد الأمر تعقيدا انه على عكس الولايات المتحدة، للمملكة المتحدة سفارة في طهران، وغالبا ما شكّلت لندن قناة الاتصال غير المباشر بين واشنطن وطهران، او بين واشنطن وحلفاء طهران، كما في حالة علاقة أميركا بـ «حزب الله» اللبناني، الذي تصنفه الخارجية الاميركية تنظيما ارهابيا. اما اوروبا وبريطانيا، فتكتفيان بتصنيف «ميليشيا حزب الله» ارهابية، وتقيمان علاقات علنية مع «الجناح السياسي» للحزب، وهو ما ابقى التواصل الاوروبي مع الحزب اللبناني. ولعب هذا التواصل دور القناة غير المباشرة بين «حزب الله» وواشنطن.
واثناء ولايتي الرئيس باراك أوباما، تجاوزت واشنطن القنوات غير المباشرة، وافتتحت اتصالا مباشرا بين وزير الخارجية السابق جون كيري ونظيره جواد ظريف. اما في لبنان، فلجأت الولايات المتحدة الى الاجهزة الامنية اللبنانية للتنسيق بالوساطة مع «حزب الله»، خصوصا في شؤون مكافحة الارهاب.
مع ترامب، لا يعرف البريطانيون ان كانت واشنطن لا تزال راضية على قنوات الاتصال غير المباشرة مع ايران وحلفائها في الشرق الاوسط. ولا يعرف البريطانيون ان كانت اميركا ستصعّد عمليا، بالتزامن مع تصعيدها الكلامي ضد الايرانيين، اذ ان لندن تبحث، عبثا، عن الموقف الاميركي الفعلي لتلتزمه وتبني على اساسه.
المثال الاخير الذي ضربه المسؤول البريطاني كان حول أزمة الخليج المندلعة منذ الشهر الماضي. ويقول المسؤول ان بريطانيا حاولت الوقوف على وقائع الامور باتصالها بالديبلوماسيين الاميركيين، خصوصا اثناء قيام وزير الخارجية ريكس تيلرسون بوساطة. لكن الاميركيين قدموا لنظرائهم البريطانيين تقارير متضاربة الى حد أجبر لندن على الاتصال مباشرة بالافرقاء الخليجيين لمعرفة حقائق الامور ومتابعة تطورات الأزمة.
وبلغ الاحباط البريطاني من واشنطن ذروته عندما اعتقدت لندن ان واشنطن «لا تدري ماذا تفعل»، وان على بريطانيا عدم الاتكال على الاميركيين. هكذا، أعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن مبادرة بريطانيا للوساطة، «فنحن على علاقة جيدة بالدوحة كما بالرياض وابو ظبي، ويهمنا استمرار الوئام بينهما، وان تعذر ذلك، الابقاء على العلاقة جيدة مع الطرفين في كل حال».
وحسب تقارير «وكالة جاينز» البريطانية الخاصة، تمثل المملكة المتحدة ثاني أكبر مصدر للسلاح الذي تبتاعه السعودية، اذ شكلت واردات الرياض من السلاح البريطاني 37 في المئة من اجمالي واردات السعودية من السلاح العالمي على مدى الاعوام الخمس الماضية.
وفي وقت يتخبط ترامب ويطرد رئيس موظفي البيت الابيض، الذي كان عينه قبل ستة اشهر، بعد طرده مستشار الأمن القومي والناطق باسم البيت الابيض، ويحاول طرد وزير العدل، يعاني حلفاء الولايات المتحدة من اضطرابات واشنطن، ويحاولون استشعار نواياها، في وقت «لا تبدو (أميركا) انها تعرف ما الذي تريده»، وهو اضطراب يؤثر على معظم حلفاء أميركا، ويؤذي علاقاتهم مع دول العالم، كما يؤذي صادراتهم والاسواق التي يتعاملون معها، حسب وصف المصادر البريطانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق