| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
يسود الذعر في صفوف عدد لا بأس به من الأميركيين، من العامة والمسؤولين، لا بسبب تهديدات كوريا الشمالية بضرب الولايات المتحدة بصواريخ نووية، وإنما بسبب خوفهم من تهور رئيسهم دونالد ترامب، الذي وجه تهديدات إلى كوريا الشمالية بضربها بالنار وبقوة لم يعرف العالم لها مثيلاً من قبل. وأجمع الاميركيون ان تهديدات ترامب سابقة من نوعها في التصريحات الرئاسية، إذ لم يسبق أن تفوّه رؤساء أميركا السابقين بتصريحات من هذا النوع.
وفي وقت اعتبر أعضاء في الكونغرس من الحزبين، مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أن تهديدات ترامب لكوريا الشمالية هي بمثابة قيامه برسم خط أحمر لبيونغ يانغ، حاول البيت الابيض التقليل من شأن التهديدات بالقول إن تصريحات الرئيس لم تكن معدة سلفاً، بل كانت مرتجلة، وان الورقة التي كانت أمامه، وبدا وكأنه يقرأ منها، كانت ورقة عن أزمة انتشار إدمان الهيرويين بشكل متزايد بين الاميركيين.
وما فاقم من أزمة الذعر الأميركي، التضارب غير المسبوق في مواقف وتصريحات مسؤولي ترامب، بين رئيس يهدد بحرب نووية ويتحدث عن قيامه بتطوير ترسانة أميركا النووية، ووزير خارجية يقول إن واشنطن تشترط التوصل إلى نزع النووي الكوري الشمالي قبل الانخراط في الحوار، ليعلن بعدها بيوم أن بلاده مستعدة للحوار إن أوقفت بيونغ يانغ تجاربها الصاروخية فحسب. وبين ترامب وريكس تيلرسون، أعلن الجيش الاميركي جهوزية كاملة للانخراط في حرب في شرق آسيا في أي لحظة، إذ أكدت القيادة العسكرية أن القاذفات والمقاتلات الاميركية، المركونة في جزيرة غوام، مستعدة للتحرك في أي وقت.
وسرت أنباء في العاصمة الاميركية أن واشنطن فاتحت حلفاءها في طوكيو وسيول بشأن إمكانية شن ضربة استباقية ضد كوريا الشمالية، في حين تناقل الخبراء معلومات مفادها أن الولايات المتحدة تحاول الحصول على دعم الصين وروسيا، اللتين تحاذيان كوريا الشمالية، في أي عملية عسكرية ممكنة.
وكانت الولايات المتحدة عانت من هزيمة عسكرية في الحرب الكورية في الخمسينات، تزامنت مع دعم روسي وصيني لكوريا الشمالية من ضمن جبهة شيوعية عالمية. اليوم، يأمل جنرالات الولايات المتحدة انخراط الصين وروسيا في أي مواجهة عسكرية محتملة ضد كوريا الشمالية، حتى أن بعض الخبراء تكهنوا أن تأتي الضربة عبر حدود الصين بشكل لا تتوقعه بيونغ يانغ.
ويتخوف الأميركيون من امكانية قيام الكوريين الشماليين بقصف حلفاء أميركا في اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تكتظ المدن بالسكان، بصواريخ محملة برؤوس كيماوية، إن لم يكن نووية، وهو ما من شأنه إيقاع اصابات فادحة في صفوف المدنيين.
كذلك، عكفت أوساط واشنطن على محاول تقييم أمرين: الاول، مدى ثقة «وكالة الدفاع الاستخباراتية» بتقاريرها التي أشارت الى توصل الكوريين الشماليين الى صناعة رؤوس نووية يمكن تحميلها على صواريخ بالستية، منها صواريخ عابرة للقارات، يمكنها إصابة اهداف على الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، مثل ولايات كاليفورنيا وواشنطن وألاسكا. ويردد الخبراء ان الوكالة أخطأت عندما أكدت حيازة نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، وهو ما تبين في ما بعد أنه كان من التقارير الخاطئة.
الأمر الثاني الذي يشغل بال المسؤولين والخبراء الاميركيين هو مقدرة القوة العسكرية الاميركية على تدمير الامكانيات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. ويعتقد البعض انه لا بد لواشنطن أن تعد «خطة ب» في حال انهيار النظام الكوري الشمالي. ويعتقد الاميركيون أن كوريا الجنوبية يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في تثبيت الوضع في جارتها الشمالية في حال انهيار نظام الاخيرة.
على أن قرع طبول الحرب وكثافة التوقعات والتحليلات العسكرية لا تعني بشكل مؤكد أن العالم سيشهد حربا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بل يبدو ان ترامب تراجع على إثر تصريحاته النارية التي أرعبت أميركيين كثر، ويبدو ان الادارة الاميركية تجري اتصالات مكثفة، مع بكين خصوصاً، في محاولة للتوصل الى حل جذري للمشكلة النووية العالقة مع كوريا الشمالية منذ أكثر من عقدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق