حسين عبدالحسين
في واشنطن، أعطت تصريحات رئيس حكومة لبنان سعد الحريري الاميركيين انطباعا ان العالم العربي يفضّل الرئيس الاميركي دونالد ترامب على سلفه باراك أوباما. وأقوال الحريري تتوج سلسلة من المواقف، التي تظهر اضطرابا مزمنا يعكس العقم الفكري اللبناني، الذي عززه تحالف رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل مع الحريري، فبعد اقوال باسيل ان لبنان يحارب تنظيم “الدولة الاسلامية” منذ مئة عام، وبعد زيارة الحريري وفريقه مع باسيل الى البيت الابيض ولقائهم رئيسا اميركيا يغرق في فضائحه ويعاني من انخفاض حاد في شعبيته، أطلّ السيد الحريري عبر صحيفة “بوليتيكو” ليقول ان ترامب أفضل من أوباما لأن ترامب واضح في مواقفه، على عكس سلفه.
يفتتح الحريري حديثه بتقديم وجهة نظر، كان باسيل حاول تقديمها في زيارته الاخيرة الى واشنطن من دون ان يوفق في ذلك. يقول الحريري انه ادرك ان مشكلة “حزب الله” هي مشكلة اقليمية، فهو حزب يتمدد من لبنان، الى سوريا، فالعراق، واليمن، ولا طاقة للبنان او حكومته مواجهة هذه المعضلة الاقليمية. لذا، ارتأى الحريري وضع حد للفراغ السياسي في القيادة اللبنانية، فدخل مع “حزب الله” وعون في تحالف من اجل معالجة بعض المشاكل التي يتفقون عليها، مثل “محاربة الارهاب” والتعامل مع أزمة لجوء مليون ونصف مليون سوري الى لبنان. لكن حكومة لبنان التي يترأسها الحريري بمشاركة “حزب الله” وحلفائه، يقول المسؤول اللبناني، لا تعني توافقا على الرؤى حول الاقليم، بل تعني ان كل فريق يحتفظ برأيه، مع العلم ان “حزب الله” يحتفظ برأيه ويعمل بموجبه بمشاركته في الحروب الاقليمية، اما الحريري، فيحتفظ برأيه لنفسه.
يقول الحريري ان التأييد الذي يتمتع به ترامب بين العرب سببه “وضوح” ترامب تجاه قضايا الشرق الاوسط. ينهي المسؤول اللبناني جملته بالقول انه توصّل، اثر لقاءاته في واشنطن، الى نتيجة مفادها ان السياسة الاميركية تجاه سوريا لم تنضج بعد. اذا، اعجاب الحريري بترامب هو بسبب وضوح سياسة ترامب غير الناضجة تجاه سوريا. لا يرى السيد الحريري المفارقة في تصريحه هذا.
يضيف الحريري ان سياسات أوباما سمحت لدور روسي كبير في سوريا. لا ينهي رئيس حكومة لبنان جملته هذه قبل ان يدعو الاميركيين الى العمل مع الروس كمخرج وحيد للأزمة السورية، ايضا من دون ان يلاحظ الحريري المفارقة: هل دور روسيا الناجم عن تقاعس اميركي هو دور سلبي في سوريا؟ ام ان على أميركا الانخراط مع الروس وتعزيز دورهم الايجابي للتوصل الى حلول هناك؟
ربما لم يزود فريق الحريري رئيسه بالقصاصات الاعلامية الاميركية التي تشير الى اجماع اميركي مفاده ان سياسة ترامب في سوريا هي استكمال لسياسة سلفه أوباما. ربما لا يعلم فريق الحريري ان ترامب أوقف الدعم النذير الذي كانت تقدمه واشنطن لبعض الثوار، واستبدله بعلاقة أوطد مع موسكو، وهي علاقات سمحت بادخال قوات روسية الى الجنوب السوري لحماية الأسد من الثوار، ولحماية حدود اسرائيل. على قول التعبير الشعبي اللبناني: “يا محلى أوباما امام ترامب” في الموضوع السوري.
مؤلمة هي تصريحات رئيس حكومة لبنان حول تفضيل العرب لأكثر رئيس عنصري في التاريخ الاميركي، للرئيس الذي أطلق العنان للعنصريين الاميركيين لشن هجماتهم ضد العرب والمسلمين، للرئيس الذي أدت تصريحاته الى تصاعد غير مسبوق في “جرائم الكراهية” الاميركية بحق العرب والمسلمين الاميركيين.
مؤلم ان تصدر تصريحات عربية واسلامية تشيد بترامب، بينما المجموعات الاميركية تقف الى جانب الاميركيين العرب، المسلمين والمسيحيين، في وجه الهجوم غير المسبوق ضدهم الذي يرعاه ترامب.
ربما لا يقرأ الحريري او باسيل او فريقاهما الكثير، لكن قد يجديهم ان يستمعوا الى بعض النصائح حول الديبلوماسية والسياسية الدولية، فعلاقة لبنان مع الولايات المتحدة لا يفترض ان ترتبط بشخص الرئيس الاميركي، بل بسياسات الحكومة الاميركية بغض النظر عن شخص رئيسها.
ربما يعتقد السادة عون والحريري وباسيل ان كل الدول تشبه لبنان، وان قوة الدولة تنبع من “الرئيس القوي”. لكن الافضل لو يتأمل هؤلاء الساسة اللبنانيون في ما جعلهم يجلسون في حضرة رئيس أميركي أميّ تقتصر انجازاته على نجومية تلفزيونية وحفنة كازينوات مفلسة.
لو تأمل اللبنانيون من ضيوف ترامب مفارقة قوة ترامب، على الرغم من أميّته، لعرفوا ان قوة المسؤولين تنبع من قوة مؤسسات دولهم، لا مواهب الرؤساء والوزراء.
كان الاجدى بالحريري لو اكتفى بتقديم مطالب لبنان، وترك العرب والمسلمين يتدبرون مشكلة عنصرية ترامب وعدائه ضدهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق