الأحد، 27 أغسطس 2017

كم دبابة للسيسي في سوريا؟

حسين عبدالحسين

ما تزال افضل الفكاهات عن مفاوضات الحلفاء لتقسيم اوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، تلك التي تحدثت عن ردة فعل زعيم الاتحاد السوفياتي جوزف ستالين، عندما طالبه الاوروبيون والاميركيون بإبقاء ايطاليا خارج تقاسم النفوذ، إكراماً للبابا، فسأل ستالين "وكم دبابة لدى البابا؟".

ردة فعل ستالين تلك، حقيقية ام مفبركة، تنطبق على مايجري في سوريا، وعلى موازين القوى ودور القوى الاقليمية والعالمية فيها، فالمقالة التي نشرتها صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، عن دور مزعوم لمصر في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، تدخل في اطار التمنيات الاسرائيلية البعيدة عن الواقع والواقعية. وكانت الصحيفة قالت إن النفوذ المصري في سوريا يمكنه أن يحل محل الدور الايراني، وهو ما أسعد الإسرائيليين، ودفعهم لإيفاد مسؤولين الى واشنطن لتسويق الأمر.

لكن الدروس من الحرب السورية، المندلعة منذ ست سنوات، تشي بأن موازين القوى والنفوذ يحددها عدد المقاتلين على الأرض، وهو ما تتفوق فيه ايران — بما لا يقاس — على كل القوى المنخرطة في هذه الحرب، بما في ذلك القوات النظامية والعصابات التابعة للأسد. حتى روسيا، التي تقي الأسد مخاطر أي قرارات دولية محتملة ضده في مجلس الأمن والتي ساعدت مقاتلاتها في وقف الهزائم التي كان تحالف الأسد يتكبدها امام مقاتلي المعارضة، تبين أن نفوذها محدود لدى الأسد مقارنة بنظيره الايراني.

وسبق لكتاب اسرائيليين ان نقلوا عن كبار قادة الاستخبارات في بلادهم ان الحكومة الاسرائيلية تلّقت ضمانات روسية متكررة، مفادها ان الأسد في جيب موسكو، وأن روسيا ستعمل على طرد ايران والميلشيات المتحالفة معها من سوريا، وانها تحتاج الى دعم ديبلوماسي اسرائيلي لتسويق الأسد واعادة تأهيله عربياً وعالمياً.

ولم تتأخر اسرائيل في مساعدة روسيا، رغبة من الاسرائيليين في اعادة سيطرة الأسد على الجنوب السوري لتثبيت الشمال الاسرائيلي، كما فعلت عائلة الأسد على مدى العقود الاربعة الماضية. واقنعت اسرائيل واشنطن بالتنازل للمطالب الروسية، وتفكيك البنية التحتية العسكرية، على بساطتها، في منطقة التنف، على الحدود السورية مع الاردن والعراق.

واسرائيل، التي يردد مسؤولوها واصدقاؤها في واشنطن ان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يخشاهم كثيراً ويعتقد أنهم يحكمون العالم بأكمله (ربما على جاري عادة غالبية العرب السذج المؤمنين بنظريات المؤامرات العالمية)، يبدو أنها أقنعت السيسي بضرورة الانخراط في الأزمة السورية لمصلحة الأسد، وهو ما نفذه السيسي بأمانة، فأخرج بعض الدول العربية التي كانت تدعم بعض معارضي الاسد من الصورة، وما زال يحاول اقامة جبهة سورية معارضة، على النمط الهامشي الذي يسعى اليه الأسد منذ سنوات.

لكن السيسي والأسد و"منصات" المعارضة السورية مجرد كلام، وثرثرة، ولقاءات في لوبيات الفنادق الفاخرة، فإيران هي التي تمسك فعلياً بالأرض السورية، وعندما أراد مقاتلو داعش على الجانب السوري من الحدود مع لبنان الاستسلام، سلّموا أنفسهم لـ"حزب الله" اللبناني لا لقوات الأسد، ما يشي بأن الميليشيات الموالية لايران تمسك بمعظم الاراضي التي استعادتها من المعارضين.

وبسبب السيطرة الايرانية، لم ينجح الروس في الوفاء بوعودهم لاسرائيل واعادة سيادة الأسد على سوريا من دون ايران، وهو ما يعني أن السيسي — الأقل نفوذا في ساحة المعارك السورية من الروس — لن ينجح كذلك في احداث تغييرات تذكر في مجرى الاحداث السورية، ما لم تقم ايران وميليشياتها بالتغيير، وستبقى سوريا في ايدي الايرانيين اولاً، والروس ثانياً، والأسد ثالثاً.

أما السيسي، و"منصات" المعارضة على انواعها، وبعض القوى الاقليمية، فلهم أن يعدوا اسرائيل كما وعدتهم روسيا من قبل، لكن العبرة في التنفيذ، وهو ما يعني أن تمسّك اسرائيل بالسيسي كخشبة خلاص في سوريا هو من باب التمني والاحلام، وهي احلام اسرائيلية سبق أن تحولت الى كوابيس، والأرجح أنها ستتحول الى كوابيس في سوريا مجدداً.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008