| لندن - من حسين عبدالحسين |
في لندن إجماع على أن الأزمة الخليجية ستطول، وأن على المملكة المتحدة إعداد سياسات للأخذ في الاعتبار الواقع الجديد، وهو تغيير في السياسة الخارجية يماثل التعليمات التي كان العاملون في وزارة الخارجية الأميركية تلقوها إبان مغادرة وزير الخارجية ريكس تيلرسون الكويت، في ما بدا يومها شبه انهيار للوساطة التي كان يقوم بها بين أفرقاء الأزمة الخليجية.
تقول مصادر بريطانية حكومية إن «الكويت قدمت خطة عمل لرأب الصدع ومعالجة الأزمة وإعادة المياه إلى مجاريها» بين الأطراف الخليجية، لكن قرار إنهاء الأزمة ليس في يد الكويت، حسب المصادر نفسها، بل هو في أيدي أفرقاء النزاع، الذين لا يبدو أن أحداً منهم يشعر بضغط يجبره على التراجع أو المساومة.
وتقول المصادر إن ظاهر الأزمة الخليجية تصريح لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن علاقات بلاده مع إيران، لكن واقع الأزمة أنها تمتد إلى عقود ماضية. وتشير إلى ما سبق أن نشرته «الراي» عن تصريح أدلى به سفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، وصف فيه خلاف التحالف الذي تنخرط فيه بلاده، بالاشتراك مع السعودية والبحرين ومصر، من ناحية، وقطر، من ناحية ثانية، على أنه «خلاف فلسفي» حول رؤية كل من الفريقين تجاه الحكومات العربية، وطبيعتها، وهوية القوى التي تشارك في الحكم منها، وتلك المحظورة.
وتعتبر المصادر أيضاً أن ما قاله العتيبة يكاد يتطابق مع ما سمعه المسؤولون البريطانيون من وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي أبلغ مضيفيه، أثناء زيارته الأخيرة إلى لندن قبل ثلاثة أسابيع، أن التحالف الذي تنخرط فيه بلاده ضد قطر، لا يهتم بالتصنيف الدولي حول «إرهابية بعض التنظيمات التي تدعمها الدوحة أم لا».
الإمارات وحلفاؤها يسعون، حسب ما ينقل البريطانيون عن قرقاش، إلى حمل الدوحة على التراجع عن دعم وتمويل تنظيمات غير إرهابية قانونياً ودولياً، مثل تنظيم «الإخوان المسلمين». وتحدث قرقاش إلى البريطانيين أيضاً عن ضرورة تعديل الدوحة لخطاب قناة «الجزيرة»، ورؤية قطر تجاه الإسلام السياسي.
لا يعتقد التحالف الإماراتي - السعودي أن قطر تدعم «الإخوان» بسبب تأييدها للإسلام السياسي، بل يعتقد هذا التحالف أن قطر ترى أن بإمكانها «امتطاء النمر الإسلامي لفرض نفوذها في عموم منطقة الشرق الأوسط».
لكنَّ المسؤولين البريطانيين ليسوا مخولين «البحث في النوايا القطرية أو القراءة بين السطور»، على حد تعبيرهم.
ويقول المسؤولون في لندن أنفسهم، لا تتعاطى بشؤون فلسفة الحكم، بل هي لتنفيذ سياسات تخدم مصالح آنية.
ويتابع المسؤولون: «لو أردنا نحن والحلفاء في الغرب أن نتدخل في رؤية وفلسفة كل حكم، لاختلفنا مع عدد كبير من الدول حول طبيعة أنظمتها وغياب الديموقراطية عنها».
في الوقت الحالي، تخلى الغرب عن طموحات نشر الديموقراطية التي بادر إليها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش العقد الماضي. «ما زالت مرارة تجربة نشر الديموقراطية في العراق في فمنا»، يقول البريطانيون. لذا، عادت العواصم الغربية إلى «العملانية» التي اتسمت بها في الماضي: «بعض الاستقرار، وبعض الأمان، وتعاون دولي استخباراتي، وشراكات تجارية».
في حالة المملكة المتحدة، لا مصلحة لها في اختيار جانب طرف ضد آخر. قطر دولة مع «احتياطي يبلغ 300 مليار دولار»، حسب الخطاب الذي أدلى به قرقاش في مركز أبحاث تاشتهام هاوس في العاصمة البريطانية في 17 الماضي. «السعودية والإمارات دول تتمتع بثروات لا يستهان بها، وللمملكة المتحدة شراكة تجارية متينة مع قطر كما مع السعودية والإمارات، ولا مصلحة لنا في اختيار شريك تجاري دون الآخر»، تختم المصادر البريطانية.
بريطانيا هي ثاني أكبر مزود للمملكة العربية السعودية بالأسلحة بعد الولايات المتحدة، بواقع 37 في المئة من إجمالي الواردات السعودية للأسلحة في الأعوام الخمسة الماضية. الإمارات، بدورها تستثمر في عدد كبير من المؤسسات التجارية في لندن والعقارية. أما قطر، فهي تملك حصة وازنة في «الخطوط البريطانية»، التي تنخرط بشراكة مع نظيرتها القطرية، ناهيك عن استثماراتها الضخمة كذلك في العقارات والمؤسسات التجارية البريطانية.
على غرار واشنطن، تكاد لندن تنتهي من وضع اللمسات الأخيرة على سياسة خارجية جديدة مبنية على أن حلفاءها الخليجيين سيتمسكون بخصومتهم في المستقبل المنظور، وأن «مجلس التعاون الخليجي» سيبقى مقفلاً، رغم محاولات الوساطة الكويتية، التي يبدو جلياً أن المسؤولين البريطانيين يأملون نجاحها وتحقيقها اختراقاً، ولكن الآمال لا يمكن بناء سياسات عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق