بقلم حسين عبد الحسين
غرّد المدير التنفيذي في "معهد الجزيرة العربية" في واشنطن علي الشهابي مقتطفات من مقالة مثيرة للاهتمام بقلم الباحثة البريطانية إيميلي ونتربوثام، كتبت فيها إن "تحميل العربية السعودية مسؤولية الإرهاب الإسلامي يعفي الحكومات الغربية" من مسؤولياتها حول تورط مواطنيها في نشاطات إرهابية. وقالت ونتربوثام إن في الدول التي "أدت فيها الوهابية إلى عنف"، "حدث ذلك لأن (الوهابية) تماهت مع صراعات موجودة أصلا، لا لأن الوهابية لعبت دورا محركا للإرهاب“.
وأضافت الخبيرة البريطانية قولها: "بدلا من التركيز على رفض الوهابية أو السلفية، الأجدى بالدول القلقة من الراديكالية أن تركز مواردها على تحديد سبب تماهي هذا المضمون مع أفراد في مجتمعاتهم، وما هي العوامل التي تطلق التصرفات العنفية وتكرّس ضعف هؤلاء الأفراد أمام التجنيد الإرهابي".
وما كتبته ونتربوثام يتناول جدالا دائرا منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابية حول المحرك الرئيس خلف التطرف الإسلامي، الذي بدا وكأنه طفا إلى السطح فجأة. وذهب عدد لا بأس به من الباحثين إلى أن النصوص الإسلامية تحرّض على العنف، وأن الطريقة الوحيدة لوقف هذا النوع من الإرهاب هو تعديل النصوص الإسلامية حيث أمكن، أو تعديل تفاسيرها على الأقل.
لكن تعديل تفسير نصوص دينية أمر شبه مستحيل في كل الأديان، إذ أن الأديان بطبيعتها ليست مركزية، بل هي مذاهب متنوعة، لكل منها تفاسيرها، وحتى لو قام غالبيتها باستبدال نصوصها المتطرفة بأخرى معتدلة، سيتمسك الإرهابيون بتفاسيرهم المتطرفة الخاصة بهم.
من ناحية ثانية، لا بد من لفت نظر الباحثين المطالبين بتعديل العقيدة الإسلامية أو نصوصها إلى أن الإرهاب ظاهرة سابقة على انتشار التطرف الإسلامي، فإيليش راميرز سانشيز المعروف بكارلوس، والذي اشتهر بعملية خطف وزراء أوبك وبهجمات متنوعة في أوروبا والعالم في السبعينيات والثمانينيات، لم يكن عربيا ولا مسلما، بل كان فنزويليا شيوعيا، ومثله منفذ عملية مطار اللد كوزو أوكوموتو، عضو الجيش الأحمر الياباني، وغيرهم. فإن كانت الوهابية، أو النصوص الإسلامية عموما، هي المسؤولة عن ظاهرة الإرهاب العالمي، فكيف نفسر الإرهاب العالمي السابق لصعود الحركات الاسلامية؟
أفضل الإجابات تأتي من الباحث الفرنسي الشهير أوليفييه روا، الذي يؤكد أقوال ونتربوثام ويعتبر أن "60 في المئة ممن يتبنون العنف الجهادي في أوروبا هم مسلمون من الجيل الثاني ممن تلاشت علاقتهم مع بلدهم الأصلي وفشلوا في الانخراط في المجتمعات الغربية".
ويقول روا في مقالة نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل عام وأعادت نشرها إثر هجمات برشلونة، إن الإرهابيين لا يشنون هجماتهم ضد الغرب لأن لهذه الهجمات أي تأثير استراتيجي من المنظور العسكري، فهذه الهجمات لا تضعف الغرب، والإسلام يدين الانتحار، "لكن هؤلاء الأولاد يسعون للموت كغاية بذاتها".
ويختم روا بدعوة للباحثين في الغرب وحول العالم، ويقول: "إنها أسلمة التطرف التي علينا أن نحقق فيها، لا تطرف الإسلام".
أما أكثر ما يصادق على رؤية روا، لناحية أن التطرف هو الذي تأسلم وليس الإسلام هو الذي تطرف، فيكمن في انقلاب "الرفيق كارلوس" من الشيوعية إلى الإسلام، ليصبح "الأخ كارلوس". ويمضي كارلوس حكما بالسجن مدى الحياة في فرنسا.
قد يكون العراقيون أكثر من يعرفون أن الإسلام ليس سبب العنف الذي يظهره تنظيم داعش، فالعراقيون غالبا ما يطلقون تسمية "البعثيين الدواعش" على أعضاء هذا التنظيم. العراقيون يعرفون أن القوانين التي فرضها التنظيم في المناطق التي سيطر عليها، مثل منع التداول بالعملات الأجنبية ومنع الصحون اللاقطة ومنع السفر، كلها قوانين متطرفة لم يستوحها التنظيم من الإسلام، بل من تجربة البعثيين أثناء حكم الرئيس الراحل صدام حسين، وهو ما يعني أن القضاء على داعش هو فعليا إنهاء استخدام العنف — علمانيا أم اسلاميا — والتمسك بالديموقراطية البرلمانية كسبيل وحيد لحل النزاعات وإقرار توجهات الدولة وسياساتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق