بقلم حسين عبد الحسين
يقول صديقي دايف، البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن مشكلة العرب اليوم تكمن في أن خياراتهم تنحصر بين "أهل الشوارب" و"أهل اللحى"، أي أن خيارات العرب في الحكم تنحصر بين الطغاة وعسكرهم وشواربهم، من ناحية، والإسلاميين ولحاهم، من ناحية ثانية.
لسنا بحاجة للاستفاضة في الحديث حول الفشل الذريع للحكم الدموي الذي مارسه "أهل الشوارب" على مدى السنوات السبعين الماضية في دنيا العرب، من المصري جمال عبدالناصر، مؤسس نموذج الحكم بقبضة الاستخبارات الحديدية، إلى العراقي صدام حسين وحروبه واجتياحه دولة الكويت وضربه الكرد بأسلحة كيماوية، إلى الأسد الذي لم يتوان عن استخدام الأسلحة الكيماوية نفسها ضد السوريين المدنيين وتحويل مدن سورية إلى ركام فوق رؤوس ساكنيها.
لكن فشل طغاة العرب في بناء أوطان أو حكمها لا يعني ضرورة استبدالهم بـ "أهل اللحى" من الإسلاميين. وقبل أن نتحدث عن تجربة الأحزاب الإسلامية في العمل العام، لا بد من الخوض في التناقض الذي يفرضه مبدأ الدولة الإسلامية، فالحاكم الإسلامي يفترض أن حكمه يستند إلى مشيئة إلهية، كما في الحالة الشيعية الإيرانية، وهو ما يعني أن لا قيمة لأية انتخابات أو خيارات يقوم بها المواطنون، طالما أن المواطنين هم بشر والحاكم يحكم بنيابته عن "الإمام الغائب"، وهو ما يبطل تسمية "الجمهورية الإسلامية" ويجعلها ديكتاتورية ثيوقراطية (دينية) صرفة.
وتجربة "الجمهورية الإسلامية" في إيران هي حصيلة تطور الفكر الديني لدى بعض رجال الدين الشيعة، فمحمد باقر الصدر أراد أن يلعب رجال الدين دورا استشاريا لحكومة لا دينية في العراق. ثم حوّل روح الله الخميني دور رجال الدين من استشاري للحكومات إلى دور حاكم، ونصّب نفسه حاكما أوحدا، وهو ما يناقض مبدأ الاجتهاد الذي يقول بتعدد المرجعيات عند الشيعة. وبين الصدر والخميني، أضاف علي خامنئي رؤيته المستوحاة من كتابات الإسلاميين السنة المصريين، ممن ترجم كتبهم إلى الفارسية، فاكتمل خليط الاضطراب حول هوية الحاكم الإسلامي ومن يختاره: هل يستمد حاكم إيران الإسلامي شرعيته من الجماهير، إذن جمهورية غير مرتبطة بالمشيئة الإلهية أو الدين، أم أن حاكم إيران يحكم بنيابته عن الإمام، إذن لا حاجة للجماهير؟
عند المسلمين السنة، لم يفسح المجال كثيرا للإسلاميين لتسلم زمام الحكم في أي من الدول العربية. في السعودية، الحكم يستند إلى مبايعة المجموعات القبلية أو العشائرية ولي الأمر. "الإخوان"، بدورهم، اعترضوا على المبايعة السعودية وتمسكوا بمبدأ "الشورى". لكن الشورى فكرة فضفاضة في التاريخ الإسلامي، ولا تجربة تاريخية واضحة حولها، إذ أن كلا من الخلفاء الراشدين الأربعة — حسب التقليد الإسلامي — تم اختياره بشورى تختلف عن سلفه، وهو ما جعل مبدأ "الشورى" عند "الإخوان" يستند إلى الاقتراع، في عملية ديموقراطية تشبه إلى حد بعيد تلك السائدة في ديموقراطيات العالم.
بيد أن القصور الأكبر في رؤية "الإخوان المسلمين" للحكم لا يتمحور حول كيفية اختيار الحاكم، وللأحزاب الإسلامية تاريخ في اختيار قادتها بالاقتراع. القصور في رؤية
"الإخوان" يكمن في مدى الصلاحيات التي يعتقد مناصرو هذا التنظيم أن الحكام أو الحكومات يكتسبونها بعد انتخابهم بغالبية شعبية، فالغالبية الشعبية تمنح الحاكم المختار صلاحيات رسم وتنفيذ سياسات الدولة، لكن الغالبية الشعبية لا تمنح أي حكومة صلاحيات تغيير أو تعديل شكل الحكم وأسس الدولة، فتعديل نظام الحكم يحتاج إلى غالبية مطلقة، لا غالبية نصف زائد واحد البسيطة.
هكذا رأينا في تجارب الإسلاميين السنة محاولات لتغيير نظام الحكم بالاستناد إلى استفتاءات شعبية وغالبية بسيطة، مثل في الحالة التركية، أو مثل التجربة القصيرة جدا لحكم "الإخوان" في مصر، حيث حاول حكام مصر من "الإخوان" إعادة كتابة الدستور بشكل لا تجيزه الغالبية البسيطة التي كانوا يتمتعون بها.
أما أبرز "تعد على الصلاحيات" من التي يمارسها الإسلاميون في الحكم، باسم الديموقراطية، فهي غالبا ما تشمل محاولاتهم تعديل القوانين الاجتماعية وتلك الناظمة للمساحات العامة، فيمضي "الإخوان" في محاولة تحديد ما يلبسه المواطنون في الأماكن العامة، وما يشربونه، وما يأكلونه، ومن يعبدون، وكيف يتعبدون، وهذه تشريعات تجعل من حكم الغالبية "طغيان الأكثرية".
الإسلام ليس حلا، ولا يمكن للحكم الإسلامي أن يكون بديلا عن حكومات الطغيان التي تحكمت بالعرب، الإسلام هو تجربة روحانية وفكرية، هدفها تحويل الفرد إلى فرد أفضل في أخلاقه وممارساته، وهو قد يغني حياة المواطنين، ولا يرتبط بالحقوق والواجبات المدنية التي يتمتعون بها، ويحصلون عليها من دولهم، التي يختارون حكامها وحكوماتها.
الإسلام ليس الحل. الديموقراطية هي الحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق