حسين عبدالحسين
أكثر من 40 ألفاً من المسيحيين العراقيين الاميركيين، من طائفة الكلدان، أدلوا بأصواتهم لمصلحة المرشح الرئاسي دونالد ترامب العام الماضي، وساهموا — دون شك — في فوز الرئيس الاميركي بولاية ميشيغان، بفارق 11 الف صوت فقط. هؤلاء المسيحيون العراقيون هم من صوّرهم "مستشار ترامب" المزعوم السيد وليد فارس، وهو لبناني أميركي، على انهم "تحالف الشرق اوسطيين" الداعمين لترامب اثناء حملته.
يومذاك، اجتاحت "حمّى ترامب" المسيحيين العراقيين ومعظم المسيحيين العرب الاميركيين، وهللوا للمرشح ترامب كلّما شتم الاخير المسلمين الاميركيين، أو المسلمين عموماً، وتفاءل المسيحيون العرب الاميركيون ان ترامب سيلعب دورحاميهم وحامي الاقليات في الشرق الاوسط، واستبشروا خيرا يوم أعلن ترامب مرسومه الاشتراعي، الذي منع بموجبه مواطني ست دول، ذات غالبية مسلمة، من دخول الولايات المتحدة.
وكانت المفارقة أن أول من تم تطبيق قرار حظر السفر بحقّهم عائلة من السوريين المسيحيين، كانت وصلت الولايات المتحدة من دمشق. لم تعر السلطات الأميركية أهمية لمذهب هؤلاء السوريين، حتى بعدما تبين ان شقيق رب العائلة كان من المواطنين الاميركيين، المقيمين في ولاية بنسلفانيا، ممن صوتوا لترامب، وممن ساهموا في اقتناص الولاية الديموقراطية عادة لمصلحة الجمهوريين.
في ذروة "حمّى الاقليات"، حذّر كثيرون "الشرق أوسطيين" من اللعب بنار العنصرية، ومن أن اليمين الاميركي الابيض لا ينظر اليهم كأخوانه في الدين المسيحي، بل يراهم عرباً ذي بشرة داكنة، ولهجة انكليزية ثقيلة، ومأكولات ذات رائحة. وقتها، تنطح نفر من جماعة فارس، وكالوا الاتهامات للمنتقدين بأنهم من "الاخوان المسلمين"، المغرضين، الذين يكرهون المسيحيين والاقليات، في الشرق الاوسط وفي اميركا.
الأسبوع الماضي، نشرت مجلة "اتلانتيك" تقريراً عن المسيحيين العراقيين الذي صوّتوا لترامب بكثافة، ليجدوا انفسهم في مواجهة عناصر "دائرة الهجرة"، التي تنقض عليهم في منازلهم، وترحّل منهم اللاجئين ممن انقضت مدة تأشيراتهمالسياحية، وممن لا يحملون تأشيرات هجرة صالحة.
والاسبوع الماضي ايضاً، نشر موقع "بوليتيكو" أن السيد فارس "يطلب 15 الف دولار أو أكثر“ حتى يمثل امام السلطات الاميركية وتقديم شهادته أن المسيحيين ممن سيتم ترحيلهم من الولايات المتحدة يواجهون خطر الاضطهاد، وربما القتل، في وطنهم الأم العراق.
"(ترامب) وحش ساهم (فارس) في خلقه، والآن يطلب (فارس) الاف الدولارات حتى يساعد (المسيحيين) في حمايتهم منه"، يقول العراقي الاميركي الكلداني ستيف أوشانا. ويضيف "من المعيب استغلال الناس وهم في اضعف حالاتهم".
السيد فارس طلب من المسيحيين العرب تبرعاتهم واصواتهم ليترأس باسمهم مجموعة "الشرق اوسطيين من اجل ترامب"، والآن يطلب فارس من المسيحيين انفسهم اموالهم لحمايتهم من ترامب نفسه، وهذا ما يسميه اللبنانيون في العامية بـ"المنشار"، الذي يتقاضى الاموال "على الطالع وعلى النازل"، وهي صفة تلائم فارس، والأهم انها تلائم ترامب، الذي يتقاضى اموال اليمين المسيحي حتى يهاجم مسلمي العالم، ثم يتقاضى اموال مسلمي العالم — على شكل استثمارات في مشاريعه — ليوقف هجومه عليهم، في ابتزاز واضح وعلني وصريح.
المشكلة في السيدين فارس وترامب ليست في تعاليم المسيحية ولا في تعاليم الاسلام، بل المشكلة تكمن في صميم شخصيتيهما، وفي المنظومة الاخلاقية والفكرية الفاسدة التي يتبنيانها، والتي تقضي ببيع الكلام، وتحريض الشعوب والمذاهب على بعضها البعض، وتحقيق الكسب في زمن الحرب، كما في زمن السلم.
ربما ما يزال بعض "الفينيقيين الجدد" غارقون في تحليلاتهم الجينية حول "الهوية المتوسطية الاوروبية" للبنانيين، على عكس البرابرة العرب الذين اجتاحوا فينيقيا في القرن السابع الميلادي ومازالوا يحكمونها ببطش ودموية. لكن الواقع أن هذه النظريات العنصرية التافهة لا تسمن ولا تغني، والحماية الوحيدة لأقليات الشرق الاوسط، كما لأكثرياته، تكمن في المواطنية والمساواة، بغض النظر عن العرق او الدين او الثقافة، وهو الدرس الذي يبدو انه يفوت بعض مسيحيي الشرق، مراراً وتكراراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق