الخميس، 14 سبتمبر 2017

عن سلام لبنان مع اسرائيل

بقلم حسين عبد الحسين

أثار احتجاز جوازي سفر المخرج اللبناني الفرنسي زياد دويري، لدى وصوله مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت هذا الاسبوع، ثم التحقيق معه في المحكمة العسكرية اللبنانية، بسبب زيارته إسرائيل قبل خمس سنوات، عاصفة من ردود الفعل اللبنانية، التي انقسمت بين مؤيد لمحاسبة الدويري ومعارض لها.

مؤيدو محاسبة دويري اعتبروا أن الرجل زار دولة عدوة، أي إسرائيل، ولذا تجب محاكمته. معارضو المحاسبة اعتبروا أن الدويري زار إسرائيل لإنتاج عمل سينمائي ضد إسرائيل. فعليا، اتفق مؤيدو محاسبة المخرج اللبناني ومعارضوها على مواجهة إسرائيل، وانقسموا حول كيفية وأساليب مواجهتها.

يكتب السيد بيار أبي صعب في ”الاخبار“ اللبنانية الموالية لـ ”حزب الله“ أن محاسبة دويري ضرورية لأن ما فعله ليس من باب ”الاختلاف والمغايرة، ولا تربطه علاقة عضوية بمعاركنا الفعلية من أجل الحرية والتقدم واستعادة الحقوق“. ويختم أبي صعب مقالته بالقول إنه ”حتى إشعار آخر، إسرائيل ليست وجهة نظر في لبنان ولا دولة جوار، بل عدو غاصب، وعملاؤها ليسوا أبطالا، بل خونة ومتعاونين“.

في ”معركة الحرية“ التي يخوضها أبي صعب، الموقف من إسرائيل ”ليس وجهة نظر“، وهو ما يعني أن ”معركة الحرية“ هذه هي من أجل فرض بعض وجهات النظر التي تعجب السيد أبي صعب، ومحاكمة وجهات النظر التي لا تعجبه. هذه هي ”معركة الحرية“ التي تخوضها جريدة الأخبار و“حزب الله“ وأبي صعب.

لا مفاجآت في سطحية الفكر المؤيد للثورة الإيرانية، فهذه الثورة نفسها تحمل كمية من الأفكار البالغة في التضارب إلى حد الهول، وسبب التضارب هو قيام بعض ”المفكرين الإسلاميين“ الإيرانيين والعراقيين، في الستينيات والسبعينيات، بتبني الشيوعية ومزجها بالإسلام، فنتج عن ذلك فكر هجين متناقض. مثلا، إذا كانت ثورة إيران هي ثورة المستضعفين، فلماذا حكومة إيران هي حكومة إسلامية؟ إلا إذا اعتبرنا أن كل المسلمين مستضعفون، وكل غير المسلمين مستكبرون، وهو تعميم لا حاجة للإشارة إلى تفاهته.

فكر المستضعفين والمستكبرين هو فكر ماركسي يرى الشعوب طبقات اقتصادية واجتماعية، ولا يراها هويات قومية، فيما الفكر الإسلامي هو فكر شوفيني قومي، يصنف العالم على أساس انتمائهم المذهبي الديني، لا الاقتصادي، وجمع النظريتين هو من باب التضارب الذي لا يأبه له الشعبويون، مثل مؤسس الجمهورية الاسلامية الراحل روح الله الخميني، الذي يكتب عنه مؤيد النظام، الأكاديمي الإيراني الأميركي ولي نصر، أن الخميني رفض الانخراط في مواضيع الحكم، وقال إن ”الثورة الإيرانية لم تأت لتخفيض أسعار البطيخ“.

من هذا التخبط الفكري يأتي أبي صعب "حزب الله"، وهذا التخبط الفكري هو الذي يدير الصراع اللبناني مع إسرائيل، فيصبح صراعا غير مفهوم سببه ولا أهدافه.

نائب أمين عام ”حزب الله“ نعيم قاسم واضح في موقفه، فهو يقول في كتابه إن لبنان جزء من محور ”مقاومة الاستكبار العالمي“، أي أن لبنان يرفض النظام العالمي بأسره، والقائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

مجموعة أخرى من ”حزب الله“ تربط الصراع اللبناني بالقضاء على إسرائيل كليا، ويكتب بعضهم أن ”السيد“ (يعني أمين عام ”حزب الله“ حسن نصرالله) وعدهم بالصلاة في المسجد الأقصى في القدس.

أما المجموعة الثالثة، فهي التي تربط الصراع اللبناني مع إسرائيل بالتاريخ الثنائي بينهما. لكن هذا التاريخ توقف بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، وحتى لو كانت إسرائيل ماتزال تحتل أراضي لبنانية حدودية، إلا أنها أراض مقفرة ولا يسكنها لبنانيون، ما يعني أن ما بقي من الصراع بعد العام 2000 لا يعدو كونه خلافا حدوديا.

مجموعة رابعة من اللبنانيين تربط السلام اللبناني مع إسرائيل بموقف الجامعة العربية، وضرورة التزام لبنان إجماع الجامعة، وانتظار حصول الفلسطينيين على حقوقهم. طبعا لا إجماع في جامعة لعضوين منها اتفاقيات سلام مع إسرائيل. أما الحقوق الفلسطينية، فواجب تحديدها، والغالب أن ذلك يتضمن قيام دولة فلسطينية، إذ أن قطع علاقات لبنان مع أي دولة، بسبب حقوق الإنسان داخل هذه الدول أو ممارسات حكومية أخرى، قد تجبر لبنان على قطع علاقاته مع حكومته نفسها، التي تتمتع بسمعة عنصرية لا يستهان بها.

الحرية تعني حرية النقاش حول أسباب استمرار العداء اللبناني مع إسرائيل، والأهداف المطلوبة لانهائه والتوصل إلى سلام لبناني إسرائيلي، أو الاستمرار في حرب وجودية بينهما على مدى أجيال.

والحرية تعني استحالة حصول أي إجماع لبناني على موقف واحد من إسرائيل، أو حول أي موضوع آخر، وهو ما يحصر تهمة العمالة بمن يتورطون بإفشاء أسرار حكومية وعسكرية لبنانية، لا لإسرائيل فحسب، وإنما للدول الصديقة كذلك، وهذا هو تعريف العمالة أصلا. عدا عن ذلك، تدخل عبارات مثل ”التطبيع الثقافي“ في باب اعتقاد انه يمكن لأي حكومة أو حزب أو مجموعة تحديد الفكر والعلاقات بين البشر.

المعركة من أجل الحريات في لبنان تعني إلغاء قوانين تحديد مع من يمكن للبنانيين أن يتحاوروا، وأي دول يمكنهم أن يزوروا، وأي أفلام يمكنهم أن يشاهدوا، أو أي كتب يمكنهم أن يقرأوا، أو التغريدات التي يمكنهم أو لا يمكنهم كتابتها (تحت طائلة السجن). هذه هي الحريات. أما اعتبار أن موضوع ما ”ليست وجهة نظر“، فهذا في صميم القضاء على الحريات، لا القتال من أجلها.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008