حسين عبدالحسين
يوم سأل المعارضون السوريون وزير الخارجية السابق جون كيري عن موقف بلاده في سورية، أجاب ان أولوية واشنطن هي مكافحة الإرهاب، ثم مضى يتحدث عن ضرورة القضاء على تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، لكن عندما قاطعه المعارضون بالقول إن «حزب الله» اللبناني هو تنظيم إرهابي أيضاً، حسب لائحة الإرهاب الأميركية، أجاب كيري: «لكن (حزب الله) لا يؤذي مصالحنا».
تصريح كيري عكس تطوراً في السياسة الخارجية الأميركية وكيفية تعاملها مع «الدول الفاشلة» والتنظيمات العنفية غير الحكومية. في الماضي، انصب اهتمام الولايات المتحدة على ضرورة بناء الدول والحكومات، لسد الفراغ الذي نشأت بسببه، ولا تزال تنشأ، تنظيمات مسلحة تلجأ إلى العنف، وكان الحل المقترح لهذه التنظيمات هو قيامها بحلّ أجنحتها العسكرية، وتحولها أحزاباً سياسية، وانخراط من يقاتلون في صفوفها بالقوى النظامية للدول التي يعيشون في ظلّها. وكان آخر الوافدين الى عالم الأحزاب السياسية جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر، الذين أنشأوا حزباً سياسياً مع انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر.
على أن الحل الأميركي لمشكلة الحكومات الضعيفة أمام الميليشيات القوية، مثل في لبنان والعراق وأفغانستان، لم يثمر، وهو ما أجبر واشنطن على التعامل مع الميليشيات كقوى أمر واقع، والتعاطي والتنسيق معها، غالباً بشكل غير مباشر عن طريق حكوماتها.
وبعد طرد الأفغان للمقاتلين العرب وتنظيم «القاعدة»، وبعد طرد قوات «الصحوات» العراقية تنظيم «القاعدة في العراق»، وبعد انخراط «حزب الله» في مواجهة ضد كل التنظيمات التي تعمل خارج إمرته في لبنان وسورية، سواء كانت لبنانية أو فلسطينية أو غير ذلك، توصلت واشنطن إلى خلاصة مفادها أن العناصر العابرة للحدود لدى هذه التنظيمات هي عناصر محدودة جداً، وأن هذه التنظيمات لا ترضى استضافة تنظيمات منافسة عابرة للحدود، وهو ما يعني أنه يمكن للولايات المتحدة التعاطي مع التنظيمات الاسلامية المحلية، مثل «طالبان» في أفغانستان و«الحشد الشعبي» في العراق و«حزب الله» في لبنان وجماعة «أنصار الله» الحوثية في اليمن، لحرمان التنظيمات العابرة للحدود، مثل «القاعدة» و«داعش» من موطئ قدم يمكن لها استخدامه لشن هجمات ضد أهداف أميركية في الولايات المتحدة وحول العالم.
في هذا السياق، راحت العلاقة تتحسن بين «طالبان» وواشنطن، وهو ما أفضى إلى صفقة تبادل سجناء، أفرجت بموجبها الحركة الأفغانية عن الجندي الأميركي بوي بيرغدال، مقابل إفراج واشنطن عن خمسة قادة من «طالبان» كانوا معتقلين في «غوانتانامو»، وتم ترحيلهم الى منفاهم في الدوحة، بطلب أميركي.
الأسبوع الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب ان بلاده مستعدة للحوار مع «بعض العناصر في (طالبان)». في اليوم التالي، قال مسؤول أميركي في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسون والديبلوماسي هوغو لورنس، إن واشنطن تنوي الحوار مع «طالبان» من أجل إنهاء الحرب المستمرة منذ 16 عاماً.
الأسبوع المقبل، يستعد الكونغرس للعودة من إجازته الصيفية، ويتوقع الأعضاء أن يطلعهم الفريق الرئاسي على استراتيجية ترامب في افغانستان. ويقول بعض الأعضاء إنهم يستعدون لسماع أرقام الموازنة الاضافية، التي سيطلبها الرئيس من أجل تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان.
على أن ما رشح عن المحادثات «الواشنطونية» المتوقعة عن الحرب الأفغانية، يتضمن أقوالاً مفادها أن واشنطن لا تعتقد أن كابول يمكنها ان تحكم البلاد بشكل مركزي، وأن المطلوب هو التوصل إلى سلام بين الحكومة المركزية والميليشيات التي تسيطر على الأقاليم المختلفة.
ويقول أعضاء في الكونغرس ان تجربة «زيادة القوات» في العام 2010 أثبتت استحالة الحفاظ على تماسك أفغانستان بعد انسحاب الأميركيين، حيث تحول رئيس أفغانستان من رئيس للبلاد إلى «عُمدة مدينة كابول». لذا، تعتقد غالبية المشرعين والمسؤولين الحكوميين الأميركيين أن الوقت حان لترعى أميركا السلام بين القوى الافغانية المختلفة، فلطالما كانت أفغانستان مجتمعاً قبلياً يصعب حكمه مركزياً، والخطة الأميركية الحالية تقضي برعاية سلم أهلي بدلاً من الاستمرار في الحرب الأهلية الدائرة منذ نصف القرن. أما الإضافة في عديد العسكر الأميركي في أفغانستان، فهي لضمان التوصل إلى سلام، والقضاء على من يعارضونه.
ورؤية أميركا لأفغانستان لا شك أنها صارت تنطبق على دول أخرى، منها العراق وسورية. ففي العراق، يسعى الأميركيون لإقناع بغداد بضرورة الفيديرالية كحل وحيد لعدم قيام «داعش» بنسخة «2.0»، أما في سورية، فيعتقد الأميركيون أن الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في السلطة، لكنه تحول من حاكم سورية إلى «عُمدة دمشق»، بعدما تراجع نفوذه الى أقصى حدود، وصار يستند إلى القوى الاقليمية التي ترعاه.
في المناطق الأخرى في سورية، يجري العمل فيها على إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، وتسليم مناطقه للأكراد وحلفائهم العرب، شرق البلاد. أما في محافظة ادلب الشمالية، التي تسيطر عليها جبهة «فتح الشام» («النصرة» سابقا)، والتي كانت اعلنت انفصالها عن «القاعدة»، فتعتقد الولايات المتحدة أنه يمكن التعامل مع هؤلاء السوريين بعد التوصل معهم الى اتفاق يقضي بعدم إيوائهم أي إرهابيين يسعون إلى شن هجمات ضد أهداف أميركية.
هكذا، لم تعد الولايات المتحدة تمانع تطرف هذه التنظيمات في حكمها بالمناطق التي تسيطر عليها، لناحية إجبار النساء على ارتداء الزي الاسلامي ومنع الموسيقى. ويقول مسؤولون أميركيون إن في صفوف حلفاء أميركا حالياً حكومات حول العالم من التي تمارس هذا النوع من الحكم القاسي بمعايير غربية، وانه لو أرادت الولايات المتحدة أخذ هذا النوع من التشريعات المحلية في عين الاعتبار، لفقدت عدداً لا بأس به من الحلفاء.
ما تريده أميركا من هذه التنظيمات هو عدم إيوائها إرهابيين، ومشاركتها في الحرب على الإرهابيين الذين ينوون إلحاق الأذى بأهداف غربية ودولية، فيما يشكل «داعش» خصوصاً هدفاً يجمع العالم، بما فيه التنظيمات الاسلامية في سورية وليبيا ولبنان والعراق، على ضرورة التخلص منه والقضاء عليه نهائياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق