حسين عبدالحسين
تتردد في العاصمة الاميركية تصريحات تفيد باستحالة عودة الرئيس الافغاني اشرف غني لبسط حكمه على كامل افغانستان، ويقول المسؤولون الاميركيون إنه — على اثر انسحاب القوات الأميركية بعد "خطة زيادة القوات 2010" — تحول "رئيس افغانستان" الى "عمدة كابول"، وخرجت الاقاليم الافغانية عن سيطرة السلطة المركزية في العاصمة، وسيطرت بدلا منها التنظيمات المحلية، الاسلامية والقبلية.
ويقول الاميركيون إن تاريخ افغانستان يشير الى الطبيعة القبلية لشعبها، وإلى أنه لطالما خاضت هذه القبائل حروباً دامية بين بعضها البعض، من دون أن يكتب النصر الأكيد لأي منها. حتى في الفترة التي حكمت فيها "حركة الطالبان" الجزء الاكبر من افغانستان، قبل هجمات 11 ايلول/سبتمبر والحرب الاميركية، بقيت اجزاء واسعة خارج سيطرة الحركة وتحت حكم ائتلافات مناوئة، مثل "تحالف الشمال" وغيره.
هكذا، بعد 16 عاماً من انخراط الولايات المتحدة وقوتها العسكرية في افغانستان، توصلت واشنطن لاستنتاج مفاده ان المركزية مستحيلة في افغانستان، وان الحل الوحيد هو لا مركزية تتوافق عليها الفصائل المتنازعة، بالتزامن مع تنظيم الصراع بينها وتحويله من حروب طاحنة الى مواجهات سياسية وديبلوماسية. أما الهم الأكبر لدى الاميركيين في افغانستان، فهو اقامة ”علاقات أمنية“ مع كل واحدة من الحكومات المحلية، بما فيها "الطالبان"، بهدف التنسيق، وتأكيد أن المناطق التي تسيطر عليها الحكومات المحلية تبقى عصية على التنظيمات الارهابية العابرة للحدود، مثل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الاسلامية".
وكما في افغانستان، كذلك في العراق، تدرك أميركا أن حيدر العبادي يرأس حكومة بغداد فقط، وأن سلطته خارج العاصمة ستكون شبه معدومة في اليوم التالي للحرب ضد داعش وانسحاب التحالف الدولي. حتى يوم كان الجيش العراقي ممسكاً بالموصل، كان بمثابة جيش احتلال، وانهار في ساعات أمام "داعش" في صيف 2014.
لهذا السبب، تتمسك واشنطن باللامركزية في العراق، وتتمسك بضرورة أن تتحاور حكومة بغداد مع الحكومات المحلية، في كردستان في الشمال، ومع السنة في الغرب، وحتى مع الشيعة المناوئين لبغداد في الجنوب. أميركا بدورها ستقيم علاقات مع كل القوى المحلية، بما في ذلك فصائل "الحشد الشعبي"، لتأكيد ان المناطق التي تمسك بها القوى المحلية العراقية تبقى مقفلة في وجه أي تنظيمات ترغب في اتخاذ هذه المناطق مقراً لها لشن هجمات ضد أهداف أميركية وغربية حول العالم.
وكما في افغانستان والعراق، كذلك في سوريا، تعتقد واشنطن أن الرئيس السوري بشار الأسد تحول من رئيس سوريا إلى عمدة دمشق، ما يعني أن سيطرته انحسرت عن أجزاء واسعة من سوريا، فخرجت مناطق شرق الفرات والرقة واجزاء من ديرالزور عن سيطرته، وصارت تحت سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية". أما الشمال، مثل محافظة ادلب، ففي عهدة عدد من الفصائل الاسلامية، غالبيتها على تواصل مع أنقرة لتأكيد خلو المحافظة من المتطرفين العابرين للحدود. والجنوب السوري، لا يزال ساحة نزاع، لا بين اسرائيل وايران فحسب، بل بين الأسد والايرانيين، إذ يبدو أن طهران لن تعيد سيادة الأسد الى مساحات واسعة من سوريا، مثل في الجنوب، وتلك المحاذية للحدود اللبنانية.
الشريط الدعائي الذي نشره "حزب الله" اللبناني عن مقاتليه، الذين يؤدون تحية لثلاثة رايات تتوسطها راية الحزب ويحيط بها علما لبنان وسوريا، يؤكد الرأي الاميركي حول "لا مركزية" سوريا، على غرار العراق وافغانستان، وتداعي سيطرة الحكومة المركزية في دمشق على باقي انحاء البلاد.
لفترة من الزمن، بدا اعتماد الأسد على روسيا وايران من دون مقابل. لكن قيام الأسد بشكر ايران و"حزب الله" على الدعم المفتوح له لا يعني "شكراً ومع السلامة"، بل يعني شكرا للايحاء بعودة سيادته على الاراضي التي استعادتها ايران، ولكنها عودة لا يبدو انها ستتم، وإن تمت، فتتم شكليا اكثر منها فعلياً.
مثل غني، عمدة كابول"، والعبادي، عمدة بغداد، لم يغد الأسد أكثر من "عمدة دمشق"، على الرغم من اصراره على الاحتفاظ بلقبه الماضي "رئيس الجمهورية العربية السورية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق